للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله: " اصطفاك ": أى آثرك بالرسالة واختصك بكلامه [كما] (١) قال فى الرواية الأخرى: " وقربك نجياً "، أى تكلمه وحدك.

وفى محاجته له حجه على جواز المحاجة للعلماء كما قدمناه. وفى قول آدم له هذا تقرير له على ما علمه، مما لا يوجب له لومه على ذنبه لقوله [له] (٢): " فأعطاك الألواح فيها علم كل شىء، وقربك نجياً فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين عامًا. قال: فهل وجدت فيها {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (٣) قال نعم. قال: أفتلومنى على أن عملت عملاً كتبه الله علىّ أن أعمله قبل أن يخلقنى بأربعين سنة؟ ". قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فحج آدم موسى ". معناه: غلبه بالحجة، وظفر عليه بها. وقيل: بل إن آدم أب لموسى - عليهما السلام - ولم يشرع للابن لوم أبيه ومعصيته. وهذا يبعد عن (٤) سياق الحديث، ومفهومه (٥) تذنيبه على لومه، وعلة ذلك.

ويحتمل أن غلبة أباه (٦) بالحجة لما علمه من التوراة من تقدير الله - تعالى - ذلك وإرادته. وأن يكون له نسل في الأرض، وأنبياء، وسعداء، وأتقياء وأن الله - تعالى - قد شاء ذلك كله وأراده وقدره، فلم يكن منه بد. وهذا إنما كان بتقدير الله إخراجه من الجنة وإرادته ذلك، ولو شاء الله [ألا يخرج من الجنة ولا فعل سبب خروجه] (٧) لم يكن من ذلك شىء ولا بد من كونه. فلا بد من خروجه من الجنة وسببه الموجب لذلك. فإذا كان موسى - عليه السلام - قد علم هذا من التوراة ففيم اللوم؟ وهذا هو سر القدر الذى أمرنا بالإمساك عنه. فهذا وجه فى غلبة آدم بحجته موسى - عليهما السلام - وأيضاً، فإن اللوم على الذنب شرعى ليس للعقل فيه مجال. وإذا تاب الله - تعالى - على آدم وغفر له، ورفع اللوم عنه فمن لام فيه محجوج.

قال الإمام: قال بعض أهل العلم: لما كان الله - سبحانه - قد تاب على آدم من معصيته لم يجب لومه عليها، وإلا فالعاصى منا لا ينجيه من اللوم والعقاب.

قوله: " إن الله قدر ذلك علىَّ " لأنه أيضًا قدر عليه العقوبة واللوم إذا وقعا به، ولما كان الله تعالى تاب على آدم - عليه السلام - صار ذكر ذلك له إنما يفيد إذا مباحثته عن السبب الذى دعاه إلى ذلك، فأخبر [آدم] (٨) - عليه السلام - أن السبب قضاء الله وقدره. [وهذا جواب صحيح إذا كانت المباحثة عن الموقع فى ذلك. ولم يكن عند آدم] (٩) سبب موقع على [الحقيقة] (١٠) إلا قضاء الله تعالى وقدره؛ ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فحجّ آدم موسى "؛ ولهذا قال آدم لموسى - عليهما السلام -: " أنت موسى الذى اصطفاك الله بكلامه "،


(١) فى هامش ح.
(٢) من ح.
(٣) طه: ١٢١.
(٤) فى ح: على.
(٥) فى ح: مفهوم.
(٦) فى ح: إياه.
(٧) فى هامش ح.
(٨) و (٩) فى هامش ح.
(١٠) فى الرسالة: فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>