للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٣ - (...) حدّثنى إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، سَمِعْتُ أَبِى يَحَدِّثُ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِىُّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ النَّهْدِىِّ، عَنْ حَنْظَلَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا فَذَكَّرَ النَّارَ. قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلاَعَبْتُ الْمَرْأَةَ. قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ ما تَذْكُرُ. فَلَقِينَا رَسُولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، نَافَقَ حَنْظَلَةُ. فَقَالَ: " مَهْ "، فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ. فَقَالَ: " يَا حَنْظَلَةُ،

ــ

والمعافسة: المصارعة ونحوها، أى حاولنا ما نحتاج من أمور الأزواج والأولاد والمعاش واشتغلنا به، وأى ملاعبة للضيعات. والضيعات جمع ضيعة، وهو ما يكون منه معاش الرجل؛ من مال أو حرفة أو صناعة. وروى الخطابى (١) هذا الحرف: " عانسنا " بالنون، وفسره: لاعبنا. ورواه القتبى: " عانشنا " بالعين والشين المعجمة، وفسره: عانقنا.

والتفسير الذى ذكرناه أولاً؛ لأنه يجمع الملاعبة وغيره. وقد فسره فى الرواية الأخرى فقال: " ضاحكت الصبيان، ولاعبت المرأة ولم يذكر هناك: " الضيعة ".

وقوله: " نافق حنظلة ": أى بما ظهر منه بحضرة النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الخوف، خلاف ما كان منه فى منزله وانفراده، خشى النفاق، إذ أصله إظهار شىء وكتم غيره وستره، وقد تقدم تفسيره (٢)، فأعلمه النبى - عليه السلام - أن الحال منهم لا تقتضى بقاءهم على وتيرة واحدة، وأن مثل هذا ليس بنفاق، فأعلمهم أن هذه الحال التى وجدوها من أنفسهم عنده لو كانوا ملازمين لها لصافحتهم الملائكة فى الطريق.

احتج بهذا أصحاب الكلام فى المقامات والأحوال من متكلمى الصوفية، واختلفوا في ذلك بحسب اختلافهم فى أصولهم، فقال بعضهم: هذا يدل أنها لم تكن [لهم] (٣) [حالاً] (٤)؛ إذ الحال ما لازم العبد ولم ينتقل عنه، وأما ما يذهب ويجىء فإنما هو مواجيد ولوائح وعوارض ولوامع بحكم مشاهدة سلطان النبوة. وقال آخرون منهم: بل هى أحوال لهم، والحال لا يلزم دوامها؛ ولذا سميت حالاً، وإنما اللازم المقام وكذا اختلافهم فى مراتب المقامات والأحوال الجارية فى ألفاظهم واصطلاحات كلامهم.


(١) انظر: غريب الحديث ١/ ٢٤٦.
(٢) سبق فى ك الإيمان، ب خصال النفاق برقم (١٠٦).
(٣) فى هامش ح.
(٤) فى ح: حا.

<<  <  ج: ص:  >  >>