للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاءُ، فَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ يَتَحَنَّثُ فِيهِ - وَهُوَ التَّعَبُّدُ - اللَّيَالِىَ أُولاتِ الْعَدَدِ، قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزوَّدُ لِذلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا. حَتَّى

ــ

وفلق الصبح وفرقهُ ضياؤه (١).

وقوله: " فكان يخلو بغار حراء يتحنَّث فيه وهو التعبد "، قال الإمام: حِراء بالمد جَبَل بينه وبين مكة قدر ثلاثة أميال عن يسارك إذا سِرْتَ إلى مِنًى، ويجوز فيه التذكير والتأنيث وتذكيره أكثر.

قال القاضى: فمن ذكَّره صرَفه ومن أنَّثه لم يَصرفِه، وهو جبل مذكر [ومؤنث] (٢) [إذا أريد] (٣) البقعة التى فيها الجبل أو الجهة، وقد قال بعضهم فيها: حَرّى بالقَصرِ وفتح الحاء، وكذا ضبطه الأصيلى فى كتاب البخارى بخطه بالوجهين، والأول أعرفُ وهو الصحيح.

وقال الخطابى: أصحاب الحديث يخطئون فيه فى ثلاثة مواضع، يفتحون الحاء وهى مكسورة، ويكسرون الراء وهى مفتوحة (٤) ويقصرون الألف وهى ممدودة.

قال الإمام: [وقوله] (٥): " يتحنَّثُ " أى يتعبد، قاله مسلم: وقد تقدم أن يتحنث [معناه] (٦): يفعل فعلاً يخرج به من الحنث، والحنث: الإثم. واختلف الناس: هل كان متعبداً قبل نبوته بشريعة أم لا؟ فقال بعضهم: إنه غير متعبد أصلاً، ثم اختلف هؤلاء: هل ينتفى ذلك عقلاً أم نقلاً؟ فقال بعض المبتدعة: ينتفى عقلاً؟ لأن [فى] (٧) ذلك تنفيرًا عنه، وغضٌّ من قدره إذا تنبَّأ عند أهل تلك الشريعة التى كان من جملتهم، ومن كان تابعاً فيبعُد منه أن يكون متبوعاً. وهذا خطأ، والعقل لا يحيل هذا. وقال الآخرون من حذاق أهل السنة: إنما ينتفى ذلك من جهة أنه لو كان لنُقِلَ، ولتداولته الألسن، وذكر فى سيرته، فإن هذا مما جرَت العادةُ بأنه لا ينكتم.

وقال غير هاتين الطائفتين: بل هو مُتعبَّدٌ، ثم اختلفوا أيضاً: هل كان متعبداً بشريعة إبراهيم أو غيره من الرسل؟ فقيل فى ذلك أقوال، ويحتمل أن يكون المراد بقوله:


(١) قال فى المشارق: " فلق الصبح، بفتح اللام، يعنى انشقاقه وبيانه وخروجه من الظلام، شبهها به لبيانه فى إثارته وضوئه وصحته " ٢/ ١٥٨.
(٢) ساقطة من ق.
(٣) فى الأصل وق: إنما أراد.
(٤) أى: بالإمالة، كما جاء فى النهاية، قال: ولا يجوز إمالته؛ لأن الراء قبل الألف مفتوحة كما لا تجوز إمالة راشد ورافع. النهاية، وانظر: إصلاح غلط المحدثين ١٠٤، فقد رواه الخطابى هناك عن أبى عمر فى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اثبت حراء ".
(٥) ساقطة من ق.
(٦) من المعلم.
(٧) من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>