للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفى العين: غطَّه فى الماء غرَّقة وغمَسهُ، وفى حديث آخر: " يغتهم الله فى العذاب الأليم ": أى يغمِسَهُم، ويقالَ: غطَّه وغَتَّهُ وخنقَه بمعنى واحد (١).

وقوله: " حتى بلغ منى الجهد ": أى الغاية والمبالغة والمشقة، يقال بفتح الجيم وضمها. وهذا الغط من جبريل [له] (٢) - عليهما السلام - إشغال له عن الالتفات إلى شىء من أمر الدنيا، وإشعار بالتفرغ لما أتاه به، وفعل ذلك ثلاثاً فيه تنبيه على استحباب تكرار التنبيه ثلاثاً.

وقد استدل به بعضُهم على جواز تأديب المُعَلِّم للمتعلمين ثلاثاً.

وقال أبو سليمان: وإنما كان ذَلك ليبلُوَ صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كُلّفه من أعباء النُّبُوَّة (٣)؛ ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم ويأخذه الرحضَاءُ - أى البهرُ والعرق - قال: وذلك يدل على ضعف القوة البشرية والوجل، لتوقع تقصير فيما أُمر به وخوف أن يقول غيره. هذا معنى ما أطال به فى هذا.

وقال القاضى أبو الحسن بن القصَّار (٤): وفى قوله: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق} (٥) ردٌّ على الشافعى أن باسم الله الرحمن الرحيم آية من كل سورة، وهذه أول سورة نزلت وليس ذلك فيها (٦).

قال القاضى: وقد اختلف فى أول ما نزل من القرآن، فقيل: {اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} على مقتضى ظاهر هذا الحديث، وهو قول عائشة وجماعة من المفسّرين، وقيل: إن الذى نزل منها أولاً إلى قوله: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم} (٧) وهو مفسَّرٌ فى الحديث، ثم نزل بعد ذلك. {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} و {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل} و {ن وَالْقَلَم} وفى رواية جابر: إن أول ما نزل عليه. {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر}.


(١) وكذا الغطس، وذكره الزمخشرى فى الفائق ٣/ ٤٨.
(٢) ساقطة من ت.
(٣) فى ت: الرسالة.
(٤) أبو الحسن هو على بن عمر بن أحمد، الإمام البغدادى. قال فيه أبو إسحاق الشيرازى: له كتاب فى مسائل الخلاف، لا أعرف للمالكين كتاباً فى الخلاف أحسن منه، وكان أصولياً، نظاراً، وولى قضاء بغداد. وقال فيه أبو ذر الهروى: وهو أفقه من رأيت من المالكيين، وكان ثقةً، قليل الحديث. قال القاضى فى الترتيب: توفى فيما قبل سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة. ترتيب المدارك ٧/ ٧٠، الديباج المذهب ٢/ ١٠٠، وفيه أنه على بن أحمد، وتبعه فى ذلك صاحب شجرة النور الزكية: ٩٢.
(٥) العلق: ١.
(٦) مقتضى كلام القصار - رحمه الله - أن ما لم ينزل فى تلك المرة من بقية السورة يكون ليس منها، ولم يقُل به أحد. وقد قال الأبى: " لعل البسملة نزلت بعد ". إكمال ١/ ٢٨١.
(٧) العلق: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>