للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) حدثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَوْنٍ الْهِلالِىُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ - يَعْنِى مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْد - عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " احْتَّجْتِ الْجَنَّةُ وَالْنَّارُ ". وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِى الزِّنَادِ.

٣٦ - (...) حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاِفِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّام ابْنِ مُنَّبهٍ، قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَذَكَرَ أَحَادِيث مِنْهَا: وَقَالَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تَحَاجَّت الْجَنَّةُ وَالْنَّارُ. فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرتُ بِالْمُتَكَبِّرين وَالْمُتَجَبِرينَ. وَقَالَت الْجَنَّةُ: فَمَالِى لا يَدْخُلُنِى إلا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقطُهمْ وَغِرَّتُهُمْ؟ فَقَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى. وَقَالَ للنَّارِ: إنَّمَا أَنْتِ عَذَابِى، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاء مِنْ عِبَادِى. وَلكُلِّ وَاحِدَةٍ مَنْكُمَا مِلْؤُهَا، فَأَمَّا النَّارُ فَلا تَمْتَلِئ حَتَّى يَضَعَ اللهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - رِجْلَهُ. فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ. فَهنَالِكَ تَمْتَلِئُ. وَيُزْوِى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَلا يَظْلِمُ اللهُ مِنْ خَلْقِهِ أَحَدًا. وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا ".

ــ

وأمّا العارفون والعلماء والحكماء فالأقل، وهم أصحاب الدرجات العلى، وقيل: البله فى أمر دنياهم، وقيل: معنى الضعفاء هنا وفى الحديث الآخر: " أهل الجنة كل ضعيف متضعف " (١) أنه الخاضع لله، المذل نفسه لله تعالى. ضد المتجبرين المستكبرين. قال أبو بكر بن خزيمة: الضعيف هنا: الذى يبرى نفسه من الحول والقوة فى اليوم عشرين مرة إلى خمسين. ولم يرد الشيخ - والله أعلم - التحذير من حول وقوة، إنما أراد اتصافه بالتبرى من الحول والقوة واللجأ إلى الله متى يذكر.

وقوله: " فلا تمتلئ حتى يضع رب العزة فيها قدمه "، وفى رواية " عليها قدمه " وفى رواية: " رجله، فتقول قط قط " بالسكون، و" قط قط " بالكسر غير منون وبالتنوين، قال الإمام: أى حسبى، " وقطنى " بمعنى " حسبى "، ومنه قول الشاعر:

امتلأ الحوض وقال قطى

أى: حسبى.

قال القاضى: ومعنى " تنزوى ": تنقبض ويجتمع على أهلها ومن ألقى فيها، وتشتعل بعذابهم، أى تنقبض عن سؤال: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} (٢) لملئها.

قال الإمام: هذا الحديث من مشاهير الأحاديث التى وقعت موهمة للتشبيه ولما نقله الأثبات، واشتهر عند الرواة، كلف العلماء قديماً وحديثاً الكلام عليه والنظر فى تأويله، فمنهم من حمل القدم على السابق المتقدم، ويقال للمتقدم: قدم، فيكون تقدير الحديث: حتى يضع الجبار فيها من قدم لها من أهل العذاب، وهذا كقوله تعالى: {أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ


(١) حديث رقم (٤٦) بالباب.
(٢) ق: ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>