للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْتُ: أَمْرِى بِيَدِكَ، فَأَنْكِحْنِى مَنْ شِئْتَ. فَقَالَ: " انْتَقِلِى إِلَى أُمِّ شَرِيكٍ " وأُمُّ شَرِيكٍ امْرَأةٌ غَنِيَّةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، عَظِيَمةُ النَّفَقَةِ فِى سَبِيلِ الله، يَنْزِلُ عَلَيْهَا الضِّيفَانُ. فَقُلْتُ: سَأَفْعَلُ. فَقَالَ: " لاَ تَفْعلِى، إِنَّ أُمَّ شَرِيكٍ امْرَأَةٌ كَثِيرَةُ الضِّيفَانِ، فَإِنِّى أَكْرَهُ أَنْ يَسْقُطَ عَنْكِ خِمَارُكِ، أَوْ يَنْكَشَفَ الثَّوْبُ عَنْ سَاقَيْكِ، فَيَرَىَ الْقَوْمُ مِنْكِ بَعْضَ مَا تَكْرَهِينَ، وَلَكِنِ انْتَقِلِى إِلَى ابْنِ عَمَّكِ، عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ " وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى فِهْرٍ، فِهْر قُرَيْشٍ، وَهُوَ مِنَ الْبَطْنِ الَّذِى هِىَ مِنْهُ. فَانْتَقَلْتُ إِلَيْه. فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتِى سَمِعْتُ نِدَاء الْمُنَادِى - مُنَادِى رَسُولِ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنَادِى: الصَّلاَةَ جَامِعَةً. فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكُنْتُ فِى صَفِّ النِّسَاء الَّتِى تَلِى ظُهُورَ الْقَوْمِ. فَلَمَّا قضَى رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَهُ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالَ: " لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلاَّهُ ". ثُمَّ قَالَ: " أَتَدْرُونَ لِمَ جمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: " إِنِّى، وَالله، مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَة وَلاَ لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ، لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِىَّ، كَانَ

ــ

وقد اختلف فى وقت وفاته، فقيل: مع على بن أبى طالب باليمن إثر طلاقها، ذكر ذلك أبو عمر (١)، وقيل: بل عاش إلى أيام عمر، وذكرت له معه قصة فى شأن خالد بن الوليد، ذكر ذلك البخارى فى التاريخ (٢). ولعل قولها: " أصيب مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول الجهاد " بعين القتل إما بجرح أو بشىء الله أعلم بمراده به. وقد مرّ فى الطلاق الاختلاف فى وقت طلاقه لها وصفته والكلام على ما اشتمل عليه حديثها مما اختص به هناك بحمد الله، ومما فى حديثها أيضاً مما لم يتقدم الكلام عليه ويستدرك.

قوله عن أم شريك: " أنها من الأنصار " قال أبو الوليد: إنما هى قرشية من بنى عامر بن لؤى اسمها غزيَّة، وكُنِيت بابنها شريك. قال أبو عمر: يقال: اسمها غزيلة. قال: وقد قيل: أم شريك الأنصارية، وأنّ النبى تزوجها، ولا يصح لكثرة الاضطراب فى ذلك. وقال غيرهما: الأشبه أنهما اثنتان. وقد ذكر أبو عمر فى التمهيد فى هذا الحديث: اعتدى عند أم شريك الأنصارية ابنة العكر فانظره.

ومما استدرك فيه قوله: " انتقلى إلى ابن عمك عبد الله بن عمرو بن أم مكتوم " وهو رجل من بنى فهر، فهر قريش، وهو من البطن الذى هى منه. والمعروف خلاف هذا،


(١) انظر: الاستيعاب لابن عبد البر ٤/ ١٧١٩ بترجمة رقم (٣١٠٤).
(٢) انظر: التاريخ الصغير ٢/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>