للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣١٠ - (١٨٧) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ؛ أَنَّ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهُوَ يَمْشِى مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا التَفَتَ إِليْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الذِى نَجَّانِى مِنْك، لقَدْ أَعْطَانِىَ الله شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَلِينَ والآخِرِينَ.

ــ

الغسَّانى " الخبر " بالباء بواحدةٍ مفتوحةٍ وهو بمعنى السرور (١).

وقوله: " لا يزال يدعو حتى يضحك الله منه فإذا ضحك منه قال ادخل الجنة قال الإمام: الضحك من الله - سُبحانه - محمولٌ على إظهار الرضى والقبول، إذ هو فى البشر علامة على ذلك، ويقال: ضحكت الأرض إذا ظهر نباتُها، وفى بعض الحديث: " فيبعث الله سحاباً فيضحك أحسن الضحك " فجعل انجلاءه عن البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنه تعالى لما أظهر له رحمَته استعير له اسم الضحك مجازاً.

قال القاضى: الضحك فى البشر أمْرٌ اختصوا به وحالة تغيُّر أوجبها سرور القلب، فتنبسط له عُروق القلب، فيجرق الدم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم فينفتح، وهو التجسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سرورُه قهقَه، والتغيُّرات وأوصافُ الحدث منفيَّةٌ عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصحيحة بإضافة الضَحِك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضى بفعْلِ عبْده ومحبَّته للقائه وإظهار نِعمِهِ وفَضلِه عليه وإيجابها له. وقد حملوهُ - أيضاً - على التجلّى للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتى يراه، والضحك يُعَبَّرُ به عن الظهور، ومنه:

ضحك المشيبُ برأسه فبكا

وقال فى صفة طعنه:

تضحك عن نجيع قائم

وفى الحديث الآخر: قول الله تعالى للرجل: " اذهب فادخل الجنة، فيُخيَّلُ إليه أنها ملأى، فيقول الله له: اذهب فادخل الجنة فيقول: " أتسخرُ بى - أو أتضحك بى - وأنت الملك " (٢)، قال الإمام: ويتعلق بهذا الحديث سؤالان، فيُقال: ما معنى قوله: " تسْخرُ بى أو أتضحك وأنت الملك "، وهبكُم أنكم تأوَّلتم الضحك على ما ذكرتم من الرضى وغيره وهذا غيرُ متأت هُنا، والسؤال الثانى أن يُقال: كيف يُقال للبارى - سبحانه - ابتداء أتسخر منى؟ وإنما جاز ذلك فى الشرع على طريق المقابلة كقوله تعالى: {فَيَسْخَرونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (٣) و {مُسْتَهْزِئُونَ (٤). اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِم}. فالجواب عن السؤال الأول


(١) وهو قريب من لفظ البخارى: " فرأى ما فيها من الحبرة والسرور "، ك التوحيد، ب وكان عرشه على الماء ٩/ ١٥٨.
(٢) رواية عبد الله بن مسعود من حديث عبيدة.
(٣) التوبة: ٧٩.
(٤) البقرة: ١٤، ١٥. وجاءت فى الأصول: يستهزءون.

<<  <  ج: ص:  >  >>