للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمِثْلِ حَدِيثِ الرَّبِيعِ.

٣٦٩ - (...) حدّثنى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ؛ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " يَدْخُلُ مِنْ أمَّتِى زُمْرَةٌ هُمْ سَبْعُونَ ألْفًا، تُضِىءُ وَجُوهُهُمْ إضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ".

قال أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الأَسَدِىُّ، يَرْفَعُ نَمِرَةً عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهُمَّ، اجْعَلْهُ مِنْهُمْ ". ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

ــ

تأوله قبل لما اختص هؤلاء بهذه المزيَّة؛ لأن تلك هى عقيدة المؤمنين ومن اعتقد خلاف ذلك كفر، وقد تكلم العلماء وأصحابُ المعانى على هذا، فذهب أبو سليمان الخطابى وغيرُه أنّ وجه هذا أن يكون تركها على جهة التوكل على الله والرّضى بما يقضيه من قضاء ويُنزِله من بلاءٍ، قال: وهذه من أرفع درجات المتحققين بالإيمان، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف سمَّاهُمْ. قال القاضى: وهذا هو ظاهر الحديث، ألا ترى قوله: " وعلى ربهم يتوكلون ".

ومضمون كلامهم: لا فرق بين ما ذكر من الكى والرقى وبين سائر أبواب الطب، وإن لم يذكر منها إلا ما ذكر، وقال الداودى (١): المراد بذلك الذين يفعلونه فى الصحّة، فإنه يُكرَه لمن ليست به علّةً أن يتخذ التمائم ويستعمل الرقى، وأما من يستعمل ذلك مِمَّن به مرض فهو جائز، وقد ذهب غيرُه إلى أن تخصيص الرقى والكى ها هنا من بين سائر أنواع علاج الطب المعنى، وأن الطب غير قادح فى التوكل، إذ تَطبَّبَ النبىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتَطبَّبَ عِلْيَةُ الفُضَلاءِ، إذ كل سببٍ مقطوع به كالأكل للغذاء والشرب للرِىّ لا يقدَحُ فى التوكل، وكذلك المظنون كالطِّبِّ للبرءِ، ولُبس الدِّرع للتَحصُن من العَدو غيرُ قادح فى التوكل، وباب الرُقى والطيرةِ والكى بابُ مَوْهومٌ، والموهومُ قادحٌ فى التوكل عند المتكلمين فى هذا الباب؛ فلهذا لم ينف عنهم التطبُب، ولهذا لم يجعلوا (٢) الاكتساب للقوت وعلى العيال


(١) هو الإمام أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد بن المُظَفَّر بن محمد بن داود الداوودى. قال فيه السمعانى: كان وجه مشايخ خراسان فضلاً عن ناحية، له قدَمٌ فى التقوى راسخٌ، يستحق أن يُطوى للتبرك به فراسخ. توفى سنة سبع وستين وأربعمائة. سير ١٨/ ٢٢٢.
(٢) تكررت فى غير ق خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>