للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥٧) باب صلاة الخوف

٣٠٥ - (٨٣٩) حدَّثنا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَن سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ؛ قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى مُوَاجِهَةُ العَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِى مَقَامِ

ــ

أحاديث صلاة الخوف

قال الإمام: اختلفت الأحاديث فى هيئة صلاة الخوف، فذكر ابن عمر - رضى الله عنهما - هذه الهيئة المذكورة هنا، وروى صالح بن خوَّات غيرها، وروى جابر هيئة أخرى، وأحسن ما ثبتت عليه هذه الأحاديث المختلفة أن تحمل على اختلاف أحوال أدى الاجتهاد فى كل حالة إلى إيقاع الصلاة على تلك الهيئة، أحصن وأكثر تحرزاً وأمناً من العدو، ولو وقعت على هيئة أخرى لكان فيها تفريط وإضاعة للحزم، وقد أنكر أبو يوسف أن يعمل بصلاة الخوف بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورآها من خصائصه واعتدَّ بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاة} (١)، فعلَّق فعلها بكون النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيهم، فإذا لم يكن فيهم لم تكن، ورأى غيره من أهل العلم أن الآية خرجت مخرج التعليم لهيئة الصلاة، ولم يقصد بها قصرها على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما افتتحت بخطاب المواجهة؛ لأنه هو المبّلغ عن الله تعالى ما يقول، قد قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صلو كما رأيتمونى أصلى " (٢)، وعموم هذا الخبر يرد على أبى يوسف (٣)، وقد صُليت فى الصحابة بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

واختلف فقهاء الأمصار فى المختار من الهيئات الواردة فى الآثار، فأخذ مالك برواية صالح بن خَوَّات التى رواها عنه فى موطئه (٤)، وأخذ الشافعى وأشهب من أصحاب مالك


(١) النساء: ١٠٢.
(٢) البخارى فى صحيحه، ك الأذان، ب الأذان للمسافرين إذا كانوا جماعة (٦٣١)، وفى ك الأدب، ب رحمة الناس والبهائم (٦٠٠٨)، أحمد فى المسند ٥/ ٥٣، الدارمى ك الصلاة، ب من أحق بالإمامة ١/ ٢٨٦.
(٣) وقد نقل ابن عبد البر عنه وعن ابن علية أنه لا تصلى صلاة الخوف بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإمام واحد، وإنما تصلى بإمامين، يصلى كل إمام بطائفةٍ ركعتين، واحتجوا بقول الله عز وجل: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِم}، قالوا: فإذا لم يكن فيهم النبى - عليه السلام - لم يكن ذلك لهم؛ لأن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس كغيره فى ذلك، ولم يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه منه غيره، وليس أحد بعده يقوم فى الفضل مقامه، والناس بعده تستوى أحوالهم أو تتقارب، فلذلك يصلى الإمام بفريق منهم ويأمر من يصلى بالفريق الآخر، وليس بالناس اليوم حاجة إلى صلاة الخوف إذا كان لهم سبيل أن يصلوها فوجاً فوجاً. التمهيد ١٥/ ٢٨٠.
(٤) ك صلاة الخوف، ب صلاة الخوف ١/ ١٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>