للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَيْلَةَ مِنْ عَدْنٍ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، إِنِّى لأَذودُ عَنْهُ الرِّجَالَ كَمَا يَذُودُ الرَّجُلُ الإِبِلَ الْغَرِيبَةَ عَنْ حَوْضِهِ ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَتَعْرِفُنَا؟ قَالَ: " نَعَمْ، تَرِدُونَ عَلَىَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، لَيْسَتْ لأَحَدٍ غَيْرِكُمْ ".

٣٩ - (٢٤٩) حدّثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَسُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَعَلِىُّ بْنُ حُجْرٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ ابْنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، أَخْبَرَنِى الْعَلاءُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: " السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْم

ــ

وقوله: " كما يذود الرجلُ الإبل الغريبة عن حوضه ": الإبلُ الغريبةُ التى لا يُعرف صاحِبُها، كما قال فى الحديث الآخر: " كما يذادُ البعيرُ الضال "، فهى ترعى مع الإبل وتزاحم وارِدَتها على حوضِها، فصاحبُ الإبل يضربُها جُهْدَه ويطردُها حتى يسقى إبلَه، وهى تترامى بالعطش وهو يصُدُّها، ولذلك ضرب المثل بضربها، وقال الحجاج: لأضربنكم ضرب غرائب الإبل.

وقوله فى الحديث: " إنه أتى المقبرة "، حجةً فى جواز زيارة القبور، ولا خلاف فى جوازها للرِّجال، وأن النهى قد نسخ، واختلف فيه للنساء (١).

وقوله: " السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين [وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون] (٢) ". المراد


(١) قال ابن عبد البر: ولا خلاف فى إباحة زيارة القبور للرجال، وكراهيتها للنِّساء، واحتُجَّ بحديث ابن عباس الذى أخرجه أبو داود والترمذى والنسائى وأحمد قال: " لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّارات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسُّرج " واحتجَّ من أباح زيارة القبور للنساء بما أخرجه أبو بكر بن الأثرم عن ابن أبى مُليكة أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت لها: يا أم المؤمنين، من أين أقبلت؟ قالت: من قبر أخى عبد الرحمن بن أبى بكر. فقلت لها: أليس كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم، كان نهى عن زيارتها ثم أمر بزيارتها. التمهيد ٣/ ٢٣٣.
قال ابن عبد البر: ممكن أن يكون النهى قبل الإباحة، وتوقى ذلك للنساء المتجالات أحبُّ إلىَّ، ولقد كرِه أكثر العلماء خروجَهُنَّ إلى الصلوات فكيف إلى المقابر؟ وما أظن سقوط فرض الجمعة عنهن إِلَّا دليلاً على إمساكهن عن الخروج فيما عداها. السابق.
(٢) من المعلم. وقد أخرج عبد الرزاق من حديث صخر بن أبى سُميَّة قال: رأيتُ عبد الله بن عمر قدِم من سفَرٍ فقام على باب عائشة فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبَه. ٣/ ٥٧٦.
وذكر ابن عبد البر عن عمر - رضى الله عنه - أنه مَرَّ على بقيع الغرقد فقال: السلام عليكم يا أهل القبور. أخبارُ ما عندنا أن نساءكم قد تزوَّجن، ودوركم قد سُكِنت، وأموالكم قد قُسِمَتْ، فأجابه هاتف: يا عمر بن الخطاب، أخبارُ ما عندنا أن ما قدَّمنا وجدنا، وما أَنفقنا فقد ربحنا، وما خلَّفْنا فقد خسرناه. التمهيد ٢٠/ ٢٤٢، الاستذكار ٢/ ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>