للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلا خَالَفَنَا فِيهِ. فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اليَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَلا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِىِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَرْسَلَ فِى آثَارِهِمَا، فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا.

ــ

الجنب والحائض (١) واختلف فيه عن مالك (٢) فى قراءة الحائض له عن ظهْرٍ أو نَظَرٍ ولا تمسُ المصحفَ ويُقَلبُ لها، فأباحَهُ مرَّةً لطولِ أمرِها، وأنها لا تقوى على رفع حدثها ومشهور قوله فى الجنب أنه لا يقرؤه لقدرته على رفع حدثِه (٣)، وروى عنه الرخصةُ له فى ذلك، وخفف هو وأبو حنيفة (٤) وبعضهم قراءة اليسير منه للتعوّذ وشبهه إِلا أن أبا حنيفة لا يجيزُ آيةً كاملة. واختلف عن الشافعى فى قراءة الحائض وقال: لا يقرأ الجنُب، وعلى هذا منَع المذهبُ من استناد المريض المصلى لحائض أو جُنبٍ تنزيهاً للصلاةِ عن القرب من النجاسة والاعتماد عليها؛ إذ لا تخلو ثيابها من نجاسة، وإذا لا فرق بين الاستناد والجلوس، ورخَّص فى ذلك إذا كانت ثيابُها طاهرة، ومنعه بعضُهم على كل حال لمعونتها المصلى فكأنهما مُصليان بغير طهارةٍ (٥). قال فى هذا الحديث عند بعض الرواة: " وأنا حائضة ":


(١) فى وجه أخذ ذلك من الحديث قيل: إن المؤمن وعاء القرآن، فإذا مسته الحائض جاز مسها المصحف، وقد روى عن ابن عباس: أنه قرأ القرآن وهو جنب، فقيل له فى ذلك، فقال: ما فى جوفى أكثر مما أقرأ، قال الأبى: ولم يحل غيره هذا المذهب إِلا عن داود، فقد أجاز للحائض والجنب مس المصحف.
(٢) بالغ ابن العربى فى الإنكار على الفقهاء فى قولهم هذا وقال: إنه قلب للحقائق فلا يجوز. إكمال ٢/ ٨٠.
(٣) واسُتدِل لذلك بحديث على بن أبى طالب: " كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يحجبُه عن تلاوة القرآن شىءٌ إِلا الجنابة " الترمذى فى الطهارة، ب فى الرجل يقرأ القرآن على كل حال ما لم يكن جنباً ١/ ٢٧٣، وقال؛ " حسن صحيح "، والنسائى فى الطهارة، ب حجب الجنب عن قراءة القرآن ١/ ١٤٤، وابن ماجه كذلك، ب ما جاء فى قراءة القرآن على غير طهارة ١/ ١٩٥، كما أخرجه أحمد فى المسند ١/ ٨٤، ١٠٧، ١٧٤، وابن أبى شيبة فى مصنفه ١/ ١٠١، والحميدى فى مسنده ٥٧، والدارقطنى فى سننه ١/ ٦١٨، والحاكم فى المستدرك ٤/ ١٠٧ وصححه ووافقه الذهبى.
(٤) وحجتهم فى ذلك ما أخرجه مالك عن مخرمة بن سليمان عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباسٍ فى حديث صلاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالليل، والذى فيه: " فاستيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نومه فجلس، ومسح النومَ عن وجهه، ثم قرأ العشرَ الآيات من سورة آل عمران، ثم قام إلى شنٍّ مُعَلّقةٍ فتوضأ منها " الموطأ، ك صلاة الليل، ب صلاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى الوتر. قال ابن عبد البر: وهذا نصٌّ فى قراءة القرآن طاهِراً على غير وضوء. الاستذكار ٨/ ١٥.
(٥) قال الأبى: ومن تنزيه القرآن عن قراءته فى المحل النجس تنزيهه أن يقرأ فى الأسواق والطرق النجسة، قال: والتعليل بأن ثيابهما لا تخلو من نجاسة هو لابن أبى زيد، ومنعه جملة لإعانتهما هو لعبد الوهاب، وقال اللخمى: وعلى إجازة ابن مسلمة دخولهما المسجد يجوز الاستناد إليهما. إكمال ٢/ ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>