للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ما الذى يُسْتَعْملُ منهُما؟ والمسْتَعملُ منهما ما مقتضاه [من العموم] (١)؟ فأخذ [أحمد] (٢) ابن حنبل بقوله: " لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عَصَبٍ "، وأخذ الجمهور بقوله: " إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طَهَرَ "، وهذا الحديث خاصٌ والعَامُّ يُردُّ إلى الخاص، ويكون الخاص بياناً له، وقال بعض هؤلاء: الحديث خرَج على سببٍ وهو شاة ميمونة - رضى الله عنها - والعموم إذا خرج على سبَبٍ قُصِرَ عليه عند بعض أهل الأصول (٣) وألحق بهذا السبب البقرةُ والبعير وشبه ذلك، للاتفاق على أن حكم ذلك حكم الشاة، وقال بعضُهم: بل يتعدَّى ويَعُمُّ بحكم مقتضى اللفظ، ويجب حمله على العموم فى كل شىء حتى الخنزير، وقال بعضهم: فإن العموم يخصُ بالعادة، ولم يكن من عادتهم اقتناء الخنازير حتى تموت فيدبغوا جلودها. قال بعضهم: ولا الكلبُ أيضاً لم يكن من عادتهم استعمال جلده، وقال بعضهم: بل يخُصُّ هذا العموم بقوله: " دباغ الأديم ذكاتُه " (٤)، فأحل الذكاة محل


= دليلٌ؛ لأن العموم به يتضمَّنُ دفع ضررٍ مظنون، فكان العمل به واجباً، فكان دليلاً. قال: وإذا ثبت ذلك وجب تقديمه على العموم؛ لأن تقديم العموم عليه يُفضى إلى إلغائه بالكلية، أما تقديمه على العموم فلا يُفضى إلى إلغائِه بالكلية، فكان ذلك أولى.
قال: وقد أجمعت الصحابة على تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد وبينوه بخمس صور.
إحداها: أنَّهم خصصوا قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١]، بما رواه الصديق أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث " متفق عليه.
ثانيها: خصَّصوا عموم قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: ١١] بخبر المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل للجدة السدس، فلو خلفت المتوفاة زوجاً وبنتين وجدة، كان للزوج الربع (ثلاثة) وللبنتين الثلثان (ثمانية)، وللجدة السدس (اثنان) عالت المسألة إلى ثلاثة عشر، وثمانية من ثلاثة عشر أقل من ثلثى التركة.
ثالثها: خصَّصوا قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْع} [البقرة: ٢٧٥] بخبر الشيخين عن أبى سعيد فى المنع من بيع الدرهم بالدرهمين.
رابعها: خصصوا قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين} [التوبة: ٥] بخبر عبد الرحمن بن عوف فى المجوس: " سُنُّوا بهم سُنَّة أهل الكتاب ".
خامسها: خصَّصوا قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُم} [النساء: ٢٤] بخبر أبو هريرة الذى أخرجه الأربعة: نهى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها.
وقد ذهب قوم آخرون إلى منع ذلك، وتوقف القاضى أبو بكر فى تلك المسألة. انظر: المحصول ١/ ٣/ ١٣١.
(١) سقط من الأصل.
(٢) ليست فى المعلم.
(٣) لأن الحجة عندهم على ذلك فى المحكى لا فى الحكاية، ومع الاحتمال لا يجوز القطع بالعموم. المحصول ١/ ٢/ ٦٤٢.
(٤) الحديث أخرجه النسائى من ثلاثة طرق بنحوه:
الأول: من حديث سلمة بن المُحبق ولفظه: أن نبى الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى غزوة تبوك دعا بماء من عند امرأةٍ، قالت: ما عندى إِلا فى قِرْبَةٍ لى ميْتةٍ، قال: " أليس قد دَبَغْتِهَا؟ " قالتْ: بلى. قال: " فإنَّ دباغَها ذكاتُها ". =

<<  <  ج: ص:  >  >>