للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُرْآنِ فَهِىَ خِدَاجُ " ثَلاثًا، غَيْرُ تَمَامِ. فَقِيلَ لأَبِى هُرَيْرَة: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءً الإِمَامِ. فَقَالَ:

ــ

تسميتها به ولا وجه لذلك مع صِحَّةِ الحديث بتسمية النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها بذلك.

وقوله: " إنى أحيانًا أكون وراء الإمام، فقال: اقرأ بها فى نفسك ": حمله بعض أصحابنا وجماعة من العلماء على ما أسرّ فيه الإمام، وحمله آخرون على تذكرِ النفس لما يقرؤه الإمام وتدبُّرِه، وشغل سِرِّه بتلاوته بقلبه بذلك لا بلسانه؛ ليصحَّ له تأمُّلِ معانيه، وحملوا قوله: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " على الإمام والفذ (١).

وقد اختلف العلماء فى القراءة فى الصلاةِ، فذهب جمهورهم إلى وجوب أم القرآن (٢) للإمام والفذ فى كل ركعة، وهو مشهور قول مالك (٣)، وعنه - أيضًا - أنها واجبةٌ فى جُل الصلاة (٤)، وهو قول إسحاق (٥) وعنه - أيضًا - إنما يجب فى ركعة، وقاله المغيرة والحسن، وعنه أنها لا تجبُ فى شىء من الصلاة، وهو أشد رواياته، وهو مذهب أبى حنيفة، إِلا أن أبا حنيفة يشترط أن يقرأ غيرها من القرآن فى جُلِّ الصلاة (٦)، وذهب الأوزاعى إلى أنها تجبُ فى نصف الصلاة - وحكى عن مالك - وذهب الأوزاعى - أيضاً - وأبو ثور وغيرهما إلى أنها تجب على الإمام والفذِّ والمأموم على كل حال - وهو أحد قولى الشافعى (٧).

ثم اختلف بعد ذلك من لم يُعين قراءة أم القرآن فى الصلاة ما يجزيه من غيرها من القرآن؟ بعد إجماعهم على أن لا صلاة إِلا بقراءة فى الركعتين الأولين، إِلا ما قاله


(١) وقال المغيرة بن عبد الرحمن المخزومى المدنى: إذا قرأ بأم القرآن مرةً واحدةً فى الصلاة أجزته؛ لأنها صلاة قد قرأ فيها بأم القرآن، فهى تمام ليست بخداج. السابق ٤/ ١٩٩.
(٢) فى الأصل: القراءة، والمثبت من ت.
(٣) وهو ما ذهب إليه ابن القاسم، ورواه عنه فى إلغاء الركعة التى لم يقرأ فيها بها، وكذا ابن خواز بنداذ وإلى وجوب أم القرآن ذهب الشافعى بمصر، وعليه أكثر أصحابه، وهو قول الأوزاعى، والليث بن سعد، وبه قال أبو ثور، وهو قول عبادة بن الصامت، وعبد الله بن عمرو، وأبن عباس واختلف فيه عن أبى هريرة، وبه قال عروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، ومكحول، والحسن البصرى. راجع: التمهيد ١١/ ٣٩،
الاستذكار ٤/ ١٤٥، ٢٣٤.
(٤) المدونة الكبرى ١/ ٦٥. وقد قال: من لم يقرأ فى نصف صلاته أعاد. الاستذكار ٤/ ١٤٤.
(٥) فقد قال: إذا قرأ فى ثلاث ركعات إمامًا كان أو منفردًا فصلاته جائزة؛ لما أجمع الناس عليه: أن من أدرك الركوع أدرك الركعة.
قال أبو عمر: قاس إسحاق الإمام والمنفرد فى القراءة على المأموم فأخطأ القياس؛ لأن الإمام والمنفرد لا يحمل غيره عنه شيئًا من صلاته، ولا يقلبُ أحدٌ عليه رتبة صلاته ولا يقلبها هُو، فتجزئ عنه. الاستذكار ٤/ ١٩٨.
(٦) بدائع الصنائع ١/ ١٦٠.
(٧) لم يذكر الإمام الشافعى فى الأم إِلا القول بوجوب قراءتها، وهو المعروف لنا. الأم ١/ ١٠٧، وقال أبو عمر: إن هذا القول - المنسوب للإمام الشافعى - كان يقوله بالعراق. الاستذكار ٤/ ٢٢٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>