للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) حدّثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ

ــ

وقوله: " إنكن لأنتن صواحب يوسف ": يعنى فى التظاهر على ما يردن، وكثرة تردادهن بالإغراء، وإلحاحهن على حاجاتهن وما يملْنَ إليه، كتظاهر امرأة العزيز ونسائها على يوسف ليصرفنه عن رأيه فى الاستعصام.

وفيه جواز مراجعة الإمام فى الأمر يأمر به أولاً على غير المناقضة، بل باللطف وحسن القول وإظهار الحجة لخلافه، إذا كان لغرض صحيح، كما فعلت عائشة وحفصة واعتذارهن بأن أبا بكر أسيف، وفيه أن التوبيخ من الإمام أو العقوبة إنما تكون لمن رأى خلافه فى هذا إنما تكون إذا كرّر عليه ذلك لأول مرة، إذ ظاهره فى أول مرة نصيحة وفى الثانية بعد التذكار مكابرة، كما أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما شدد لها فى القول بعد التكرار وبعد أن سمع قولها وحجتها فلم يلتفت إليها، فلم يكن بعدُ لتكرار الكلام عليه معنى، فلما أعاد عليه القول قال: " إنكن صواحب يوسف "، وهذا ما لم يكن أمرًا لازمًا من تنبيهه على غلط أو خطأ، فإن ذلك لازم تكراره حتى ينتبه له كما كان فى حديث ذى اليدين (١)، وقوله بعدُ: " قد كان ذلك برسول الله " (٢) وفيه جواز التعريض بالأمر والملاطفة فيه بحجة صحيحة لغرض آخر كفعل عائشة باحتجاجها [بأنه أسيف وقد بينت غرضها فى الحديث [الآخر] (٣) إنما كان لئلا يتشائم به الناس] (٤) لقيامه مقام النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى مرضه، وقد جاء فيها أيضًا: أنها فهمت منه التنبيه على الخلافة، قالت: " فظننت أن أبى لا يستطيع القيام بأمر الناس " (٥).

وفى الحديث الثانى (٦) من الفقه: أنه لا يتقدم أحد بجماعة إِلا برضى منهم لقول أبى بكر: " إن شئتم " فى بعض الروايات، وفى بعض روايات الحديث: " إن شئت " قال بعضهم: قاله لبلال؛ لأنه المؤذن، وحافظ الوقت، وداعى النبى - عليه السلام - له [فصار كالمستخلف له، وفيه قول بلال يا أبا بكر، وهو معتقه، وفيه ما كان عليه السلف من التواضع] (٧)، وفيه جواز صلاة أحد المأمومين بجانب الإمام أو متميزًا عنه لعلّةِ كما كان أبو بكر، إن قلنا إن النبى - عليه السلام - الإمام ليسمع الناس صوت النبى - عليه السلام - ويؤدى عنه ما خفى عليهم من حركات صلاته للضعف الذى أصابه.

وفى هذه الأحاديث صحة ما يبتلى به الأنبياء من مصايب الدنيا من السقوط والجراح والمرض، ليعظم بذلك أجرهم، ثم الموت، وأن ذلك غير قادح فى رتبتهم، بل زيادة فى بيان أمرهم، وكونهم بشرًا رسلاً من الله، إذ لو لم يصبهم ما يصيب البشر ما ظهر


(١) سيأتى إن شاء الله فى ك المساجد ومواضع الصلاة، ب السهو فى الصلاة والسجود له.
(٢) لعلها وردت فى بعض روايات الحديث.
(٣) من ت.
(٤) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.
(٥) غير مذكورة فى نسخ الصحيح التى بين أيدينا.
(٦) فى ت: الآخر.
(٧) سقط من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>