للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هلك بجناية نفسه وجناية غيره.

واعلم أن من قتل رجلًا في دار الحرب وهو يظنه كافرًا فبان مسلمًا فلا قصاص في قتله وتجب الكفارة، وفي الدية قولان:

أصحهما: أنها لا تجب أيضًا؛ لأن دار الحرب مباحة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغير عليهم بعد ما بلغتهم الدعوة.

وقول الشافعي: "أعطى من أعطى منهم متطوعًا" جرى على هذا القول الأصح، واحتج له بأن الله تعالى ذكر الدية والكفارة حيث قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} (١)، وذكرهما أيضًا في قتل من بيننا وبينه ميثاق فقال: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} (٢)، وقال فيما بينهما: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} أي: في قوم عدو لكم، فذكر الكفارة ولم يذكر الدية، وكان ذلك ظاهرًا في أنه لا دية فيه.

قال: ويحتمل أنه أعطى الدية قبل نزول الآية فلما نزلت قال: "أنا بريء من كل مسلم مع مشرك"، وقد يقال: إن الحكم ينفي القصاص والدية على القول الأصح فيما إذا كان المقتول على زي أهل الشرك.

وفي الحديث أنهم استعصموا بالسجود والصلاة وهذا هيئة المسلمين لا ينبغي أن تنفى الدية، وقد يستدل بقوله: "أعطوهم نصف العقل لصلاتهم" على أن الكافر لا يحكم بإسلامه بسبب إتيانه بالصلاة.

وقوله: "لا تراءى ناراهما" أي: لا ينزل المسلم بالموضع الذي تراءى ناره نار المشرك إذا أوقد أي: تقابله وتحاذيه، يقال: منازلهم تتراءى أي: يقابل بعضها بعضًا، وقيل: "لا تراءى ناراهما" أي: لا


(١) النساء: ٩٢.
(٢) النساء: ٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>