للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): "من نَذَرَ أنّ يصومَ في مسجدِ الرِّباط لَزِمَهُ أنّ يأتيه. ومن نَذَرَ أنّ يصلِّي فيه لم يكن عليه شيءٌ" وذلك لأنّ حمايةَ الثُّغور تجتمع مع الصّوم، ولا تجتمع مع الصَّلاة.

وقال بعض علمائنا: ثبت في صحيح مسلم (٢)؛ أنّ رسولَ الله - صلّى الله عليه وسلم - كان يأتي قُبَاء كلّ سَبْتٍ ماشيًا وراكبًا، فيصلِّي فيه، فبيَّنهُ بالفضلِ.

وقد قال بعضُ الأشياخ: إنه تُشَدُّ الرِّحالُ إليه، وقال: إنّه مَنْ نَذَرَ صلاةً في رباطٍ لا يلزمه إلَّا أنّ تكون ركعتان، ومن نَذَرَ صومًا فيه لَزِمَهُ، وفرق بينهما، فإنّ الصّلاةَ تشغله عن الجهاد ولا يشغله الصّوم.

قال الإمام: هذا باطلٌ، بل يشغله الصّوم، ألَّا ترى أنّه يُضعفه ولا يقدر على القتال.

نكتةٌ بديعةٌ:

قال ابنُ العربي: والنُّكتُة الّتي أشار إليها مالكٌ، إنّما تنبني على أنّ من قال: أصومُ يوم كذا وكذا، لزمه ذلك.

فإن قال: عَلَىَّ أنّ أصلِّي كذا وكذا، لم يلزمه تلك السّاعة ولا عينها.

والفرقُ بينهما: أنّ للزَّمن في الصوم تأثيرٌ ليس للصّلاة، وهذا التّاثير إنْ قُدِّرَ الصَّومُ بالزّمان، والصّلاةُ مُقدَّرةٌ بالأفعال، والّذي يتقَدَّرُ بالزَمان يُعَيَّرُ باليوم، واليومُ معيارُ الصّوم، ولم يُعَيَّر الوقت بالصّلاة؛ لأنّ الوَقْتَ ليس للصّلاة بمعيارٍ ولا بمُقَدَّرِ به، وهذا حسن؛ لأنّ النّافلةَ تصلِّى بكلِّ موضعٍ، وليست من المندوب، والصّومُ مندوبٌ إليه؛ لأنّ النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "صيامَ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها" (٣) فندب إلى الصّوم ولم يندب إلى الصَّلاة، مع الإجماع على أنّ الصّلاة أفضل، ولم ينقل من الصَّلاة إلى الصوم إلّا بدليل، وهو أنّ الصَّلاة في السَّفَر والحَضَر واحدٌ، بخلاف الصَّوْمِ.


(١) بنحوه في المدوّنة: ١/ ٢٠٠ في إيجاب الاعتكاف.
(٢) الحديث (١٣٩٩) عن ابن عمر.
(٣) لم نجده بهذا اللفظ، والمحفوظ ما رواه البخاريّ (٢٨٤٠)، ومسلم (١١٥٣) من حديث أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -: "ما من عَبْدٍ يصومُ يومًا في سبيل الله إلَّا باعد الله بذلك اليومِ وَجْهَهُ عن النار سبعين خريفًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>