للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رواه كعب الأحبار (١).

فأصلُ (٢) ذلك: الإجابة والتَّوْبَةُ وردُّ المظالِمِ، والإقبال على الله بكُنْهِ الهِمَّة، فذلك هو السَّبَب القريب للإجابة.

وفي التّرمذيّ (٣)، خرج سليمان يستسقي، فإذا بنَمْلَةٍ قائمةٍ على قوائمها تدْع الله، فقال سليمان: ارجعوا فإنّ الله قد سَقَاكُم بدُعَاءِ نَمْلَةٍ.

نكتةٌ:

قال علماؤنا: في هذا دليلٌ على أنّ البهائم لها عند الله رِزقٌ معلومٌ، ولها فيه سؤال، ولكن يحتمل إظهار ذلك للنَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - معجزة وآية، وجعلت له حُجَّة ولأهل زمانه عِبْرَة. ولا يكون ذلك على العموم، واللهُ أعلم. فجميع ما ذَرَأَ وبرَأَ، فإنّ اللهَ تعالى ينشر الرَّحمَة على جميع خَلقِه ممّن ذَرأَ وبَرَأَ بغُفْرَانِه لَهُم، فإذا أَمْطَرَ اللهُ قومًا عفَا عَنهُم، وأنشدوا:

نشَرَ اللهُ علينا رحمةً ... وسَقَانَا الغيثَ سَقيًا والمَطَرْ

قبلَ اللهُ دُعَانَا كُلّنا ... وعَسَى الرَّحمانُ عنَّا قد غَفَرْ

يبسطُ الرَّزقَ علينا وكذا ... يرزق الدُّودَةَ (٤) في بَطنِ الحَجَر

وقيل (٥) لمالك بن دينار: ألَّا تستسقي لنا؟ فقال: أنتم تنتظرون المَطَر وآنا أنتظر الحَجَر، ألَّا تشكرونَه على جميل سترِه وعافيته، فلو شكرتُموه ما رَزَقكُم، لسقَاكُم وأرضا كُم، وأنشدوا:

جَلَّت أَيَادِيكَ عنِ الشُّكرِ ... وجلَّ في تحديدها فكر

ما (٦) ينقضي منك يد ثَيّب ... حتّى يوافي بيد بكر

والشُّكرُ في عَفْوِكَ مُسْتَغْرقٌ ... كلجَّةِ الغَرِيقِ في وَسطِ البَحْرِ


(١) أورده الغزالي في إحياء علوم الدِّين: ١/ ٣٠٧.
(٢) هذه الفقرة مقتبسة من المصدر السابق.
(٣) لعلّ يقصد الحكيم التّرمذيّ والحديث أخرجه الدارقطني في السنن (١٧٩٧ ط. الرسالة) والطحاوي في شرح مشكل الآثار (٨٧٥) من حديث أبي هريرة، وانظر تاريخ دمشق: ٢٢/ ٢٨٨.
(٤) جـ: "هو رازق الدود".
(٥) هذا القول ذكره الغزالي في إحياء علوم الدِّين: ١/ ٣٠٨ بلفظ: "انكم تستبطئون المطر، وأنا استبطىء الحجارة".
(٦) هذه الأبيات هي لعليّ بن الجهم، رواها القزويني في التدوين: ٤/ ١٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>