للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الأمر والنّهي، والخبر والاستخبار، لها حقائق ينفرد كلّ واحدٍ منها بحقيقته عن صاحبه، ولهذا المعنى الّذي فهمه مالك - رضي الله عنه - من أنّ الخبر لا يجوز أن يقع من الله كذِبًا، ومن أنّ الخَبَرَ لا يجوز أنّ يكون بمعنى الأمر، أو بمعنى النّهي، ثمّ قال (١) - رضي الله عنه - إنّ هذه الآية (٢) والّتي في: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} (٣) سواء، يريد أنّهما راجعتان إلى الملائكة وصُحُفِها، وهذا بديعٌ في البيان لمن كان له قَلْبٌ. بَيْدَ أَنِّي أقولُ في ذلك قولًا حسنًا، وهو أنَّ المُصْحَفَ لا يمسّه إلَّا طاهرٌ؛ لأنّ قَوْلَه {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (٤) خَبَرٌ، والخَبَرُ لا يجوز أنّ يقع بخلاف مخبره من الله تعالى. ولكن ههنا دقيقة يجب أنّ يتفَطَّنَ لها اللَّبيب، وذلك أنّ قوله: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} (٥) خبرٌ عن الشّرع وما بيّن (٦) فيه. وكذلك قوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (٧) خبرٌ عن الشّرع وما بين فيه (٨). فإنْ وجدنا مُحْدِثًا يمسُّ المصحف، ووجدنا مُطَلَّقة لا تلتزم التَّرَبُّص، فلا يكون ذلك من الشَّرْعِ، كما قال: "لا صلاةَ إلَّا بطَهُورٍ" (٩) فلا يريد نفي الوجود (١٠)؛ لأنّا نجد كثيرًا ممّن يصلِّي وهو مُحْدِثٌ، وإنّما معناه: لا صلاةَ إلَّا بطَهُورٍ شَرْعًا، فإنْ وُجِدَت بغير طَهُورٍ فلا تكونُ من الشَّرْعِ. وهذا تفسير يجمعُ لك (١١) فيه سلامة الحقيقة من خلطها (١٢) يغيرها، وبقاء اللّفظ على صيغة العربيّة الّتي وُضِعَ لها، وصِحَّة التّوحيد في تنزيه الله سبحانه عن الكَذِب، وقرار الشّريعة في نظامها، فلا (١٣) يشاركها في حكمها ما ليس منها.


(١) في الموطّأ (٥٣٦) رواية يحيى.
(٢) أي قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} الواقعة: ٧٩
(٣) عبس: ١.
(٤) الواقعة: ٧٩.
(٥) الواقعة: ٧٩.
(٦) غ: "بني".
(٧) البقرة: ٢٢٨.
(٨) "بين" زيادة من القبس.
(٩) أخرجه مسلم (٢٢٤) من حديث ابن عمر بلفظ: "لا تقبل صلاة بغير طهور".
(١٠) غ، جـ: "الوجوب" والمثبت من القبس.
(١١) في القبس: "وهذا نفيس، فإنّه يجمع لك".
(١٢) غ: "تخليطها".
(١٣) "في القبس: "بألّا".

<<  <  ج: ص:  >  >>