للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث من أينَ ينزلُ، ولا كيف ينزل.

قالوا - وحُجَّتُهُم ظاهرةٌ -: قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (١).

قلنا: تعالى أنّ يكون (٢) استواؤُه على العَرْشِ كاستوائنا على ظهور الدَّوابِّ.

قالوا: وكما قال: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} (٣).

قلنا: تعالى الله أنّ يكون كالسَّفِينَةِ جَرَتْ حتّى لمست فوقفت (٤). قلنا له (٥): وما العرشُ؟ وما الاستواءُ في العربِيّة؟ فإنْ توقَّفَ، قلنا: هذا كلُّه مخلوقٌ، واسْتَوَى مخلوقٌ على مخلوقٍ بِارْتِفَاع وتمكينٍ في مكانٍ واتِّصالٍ ومُلاَمَسَةٍ، والبارىء تعالى يتقدّس عنه، وقدِ اتَّفَقَتِ الأُمَّةُ مِن قَبْلِ سَمَاعِ الحديثِ وسَرْدِهِ أنَّه ليس استواؤُه على شيءٍ من ذلك، ولا تضرب به الأمثال بشيءٍ من خَلْقِهِ (٦).

قالوا: قد قال قوم: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} (٧)، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} (٨).

قلنا: تناقضت أقوال العلماء (٩) في ذلك، تقول مَرَّةً: إنّه على العَرْشِ فَوْقَ السَّمَاواتِ، ثمَّ تقول: إنّه في السَّمَاءِ، لقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (١٠). وقلت: إنّ معناه على السَّماءِ، ويَلْزَمُكَ أنّ تقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} (١١) أي إلى العَرْشِ.

قالوا (١٢): وقد قال: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ} (١٣).


(١) طه: ٥.
(٢) جـ: "يُمَثّل" وهي سديدة.
(٣) هود: ٤٤.
(٤) "حتّى لمست فوقفت" زيادة من العارضة يلتئم بها الكلام.
(٥) أي للمخالف.
(٦) في العارضة: "فلا تَضرِب له المثل بشيءٍ من خَلْقِه".
(٧) الأعراف: ٥٤.
(٨) فصلت:١١.
(٩) "أقوال العلماء" ساقطة من جـ.
(١٠) الملك:١٦.
(١١) طه: ٥.
(١٢) الغريب أنّ جل هذه الاعتراضات الّتي ساقها المؤلِّف إنّما هي لأهل الحديث من أهل السُّنَّة والجماعة، وانظرها في الاستذكار: ٨/ ١٤٨ - ١٥١، والتمهيد: ٧/ ١٣١ - ١٣٥.
(١٣) السجدة: ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>