للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأرض المقدّسة.

تنبيه على وهم:

قال بعضهم: "ليس كراهية الموت كراهية لقاء الله؛ لأنّ الموت نوع، ولقاء الله نوع" وهذا غَلَطٌ؛ لأنّ الموتَ بابٌ لِلِقَاءِ الله، فمن أحبَّ لقاء الله أحبَّ الباب الّذي يصل به إليه، ومن كرهه كره الباب المفضِي إليه.

حديث مَالِك (١)، عَن أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعرَجِ عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - قَالَ: إِنَّ رَجُلًا لَمْ يَعمَل حَسَنَة قَطُّ، قَالَ لأَهلِهِ: إِذَا مِتُّ فَأَحْرِقُوني، ثُّمَّ اذْرُوا نِصفَهُ في البَرِّ ونصفَهُ في البَحرِ، فَوَاللهِ لَئِن قَدَرَ اللهُ عَلَيْهِ لَيُعَذِّبنَّهُ عَذَابًا لَا يُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، فَلَمَّا مَاتَ الرَّجُلُ، فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ، فَأَمَرَ اللهُ الْبَحرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأمَرَ البرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشيَتِكَ يَا رَبِّ، وَأَنْتَ أَعْلَمُ، قالَ: فَغُفِرَ لَهُ.

الإسناد:

قال الشّيخ أبو عمر (٢): "اختلفت الرِّوايةُ عن مالكٌ في رَفعِ هذا الحديث وتوقيفه، والصّوابُ رَفْعُه؛ لأنّ مثلَهُ لا يكون رأيًا.

والحديثُ صحيحٌ من طُرقٍ كثيرةٍ (٣)، وقد رواه أبو رافع، عن أبي هريرة، أنّه قال: "رَجُلٌ لَمْ يَعمَل خَيرًا قَطُّ إلَّا التَّوحِيد" (٤) فهذه اللّفظة ترفع الإشكال في إيمان هذا الرَّجُل، والأصول كلُّها تعضده؛ لأنّه محالٌ أنّ يغفرَ اللهُ للَّذين يموتون وهم كفّار بإجماعٍ من العلّماء".

الأصول:

قال الإمام: هذا الرَّجُل كره الموت من خَشْيَةِ الله، فتلقّاهُ اللهُ بمغفرته، وقد تباين النَّاس في تأويل هذا الحديث:

فمن النّاس من قال: إنّ معنى، لَئِنْ قَدَرَ اللهُ عَلَى": لئن ضَيَّقَ اللهُ عليَّ (٥). وهذا


(١) في الموطّأ (٦٤٥) رواية يحيى.
(٢) في الاستذكار: ٨/ ٣٦٥.
(٣) مثلا ما أخرجه البخاريّ (٧٥٠٦)، ومسلم (٢٧٥٦).
(٤) أخرجه أحمد: ٦/ ٣٢٨، ١٣/ ٤٠٨ (ط. الرسالة).
(٥) قاله ابن بطّال في شرح البخاريّ: ١٠/ ٥٠١، والبوني في تفسير الموطّأ: ٧٤/ ب، وقال: "وهذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>