للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستقرَّ عِنْدَهم (١)، وما في كتاب عمر بن الخَطّاب عليه عَوَّلَ مالكٌ، لِطُولِ مُدَّةِ خِلاَفَتِهِ وسَعَهِ بيضة الإسلام في أيام ولايته، وكَثرَةِ مُصَدِّقِيهِ، فما مِنْ أَحَدِ اعترضَ عليه فيه، ولأنّه اسْتَقَرَّ بالمدينة وجَرَى عليه العمل، مع أنّه رواية سائر أهل المدينة.

وأمّا كتاب ابن حَزْم فتركَهُ؛ لأنَّ كتاب عمر أيضًا أَوْفَق للأَخْذِ؛ لأنّ فيه زيادة استئناف الزَّكاة بالغَنَمِ.

وقال بعضُ أشياخنا: إنَّ الكتابَ الّذي قَرَأَهُ مالك في أَمْرِ الصّدقة هي نُسْخَةُ الكتاب الّذي كَتبهُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - لعُمَّالِهِ، ذكره أبو داود (٢) من طريق الزّهريّ، عن سالم، عن أبيه (٣)، قال: كتب رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - كتاب الصَّدَقَة فلم يخرجه إلى عماله حتَّى قُبِضَ، فعمل به أبو بكر والخلفاء من بَعْدِهِ.

وهو حديث مُسْنَدٌ، ولم يسنده مالكٌ في الموطّأ، وإنّما أَرْسَلَهُ.

نكتةٌ أصولية (٤):

اختلف النّاس في كتاب العالِمِ إذا تحقق كتابه، هل تكون روايته صحيحة ويلزم العلّم به أم لا؟ وفي "حديث الرباعيات" (٥) للبخاريّ؛ أنّه يجوز أنّ يقرأَ الرَّجُلُ كتاب أبيه يتيقَّن أنّه كتابه وخطّه (٦)، فيحدِّث به عنه ويكون مُسندًا.

وأمّا قول مالك في كتاب أبي بكر، فإنّه لا يُوجِبُ حُكْمًا باتِّفَاقِ. ورجَّح مالك رواية كتاب عمر على رواية كتاب أبي بكر بأربعة أوجه:

الأوّل: أنّها رواية فقيهٍ كبيرِ السِّنِّ محصِّل للعلّم على من هو أحطّ (٧) منه في ذلك.

الثّاني: أنّه يرويه عنه ثِقَتَانِ حافِظَانِ ابنا عبد الله بن عمر.


(١) كذا ولعلّ الصواب: "عنده" كما هو ثابت في القبس.
(٢) في سننه (١٥٦٨).
(٣) غ، جـ: "ابن عمر، والمثبت من سنن أبي داود.
(٤) انظر في عارضة الأحوذي: ٣/ ١٠٦ - ١٠٧.
(٥) طبع باسم رباعيات الإمام البخاريّ بتحقيق يوسف الكتّاني، مكتبة المعارف، بالرباط ١٤٠٤.
(٦) في العارضة: "أنّه بخطِّ أبيه".
(٧) في العارضة: "أحفظ".

<<  <  ج: ص:  >  >>