للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصّحيح أنّه لم يثبت ما نقله وهبٌ، وفائدة الخلاف في هذا الباب إنّما هو في مناكحتهم، وأمّا الجِزيَة فَنَرَى الأخذ منهم، وحكمهم في ذلك كحُكْمِ أهل الكتاب، لقوله: "سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ" (١).

المسألة الثّانية:

قال الإمام: لا شكَّ أنّهم مشركون عندنا، واليهود والنّصارى عند أبي إسحاق الأشعريّ ليسوا بمُشْرِكِينَ، وإن كان قد قال الله تعالى فيهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ} الآية، إلى قوله {عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٢) فسمّاهم مشركين؛ لأنَّ اسمْ الشِّرك واقعٌ في العُرْفِ على غير اليهود والنَّصَارى، وأمّا اليهود والنَّصارى فلا خلافَ أنّهم أهل كتاب.

وأمّا غير (٣) أهل الكتاب كالمَجُوسِ وعَبَدَةِ الأوْثَانِ، فلا خلافَ في جَوازِ إقرارهم على الجِزْيَةِ عَرَبًا كانوا أو عَجَمًا، والأصلُ في ذلك قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (٤).

المسألة الثّالثة (٥):

وأمّا المجوس، فَيُسَنُّ بهم سُنَّة أهل الكتاب في أخذ الجِزْيَةِ، وبه قال أبو حنيفة، وهذا أحد قولي الشّافعيّ، وله قول آخر* أنّهم أهل كتاب، وفائدة القولين أننا إذا قلنا: إنّهم * (٦) ليسوا أهل كتاب، فلا تحلّ مناكحتهم وأكل ذبائحهم. وإذا قلنا: إنّهم أهل كتاب، حلّت مناكحتهم وأكل ذبائحهم. وأنكر ذلك أصحاب (٧) الشّافعيّ وقالوا: إنّ مذهب الشّافعيّ لا يجوز مناكحتهم ولا ذبائحهم بوجهٍ.

والدّليلُ على ما نقوله أنّهم ليسوا أهل كتاب: قوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} (٨).


(١) أخرجه مالك في الموطّأ (٧٥٦) رواية يحيى.
(٢) التوبة: ٣١.
(٣) من هنا إلى آخر المسألة مقتبس من المنتقى: ٢/ ١٧٢.
(٤) التوبة: ٢٩.
(٥) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٦) ما بين النجمتين ساقط من النّسختين، واستدركناه من المنتقى، حتّى يلتئم الكلام.
(٧) في المنتقى: "أكثر أصحاب".
(٨) الأنعام: ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>