للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام (١): والمسألة تنبني على أصلّين، وهما: أنّ رمضان كلّه عبادة واحدةٌ، أو عبادات؟ والأدلّة متعارضة، والّذي يدلُّ على أنّه عبادة واحدةٌ؛ أنَّه لا يتخلّله صوم آخر، والدّليل على أنّه عبادات؛ أنّ فسادَ يوم منه لا يتعدّى إلى آخر، وهذا الأصل متزعزع على أبي حنيفة والشّافعيّ؛ لأنّ فسادَ ركعة من الصّلاة لا يتعدَّى عندهم إلى جميعها. وكذلك نقول نحن في مسائل الصّلاة، وبهذا الأصل اختلف قول مالك في تجديد النِّيَّة كلّ ليلة، وبه أقول.

المسألة الثّالثة (٢):

قال أبو حنيفة: تكفيه نِيَّةُ الصَّومِ مُطْلقًا وإن لم يَنْوِ رمضان؛ لأنّ الوقت قد عيّنَ له فرجع مطلَق اللَّفظ إليه.

قال الإمام: وهذا فاسدٌ لوجهين:

أحدهما: أنّه يكون له ثواب صوم مُطْلَقٍ لا رمضان كما نوى، لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "لِكُلِّ امْرِيءٍ مَا نَوَى" (٣).

الثّاني: أنّه يبطل بصلاة المغرب (٤)، فإنَّ الوقتَ عند الغروب معيَّن لها، ثمّ لا بدّ من تعيينِ النِّيَّة فيه، ولا يكفيه مطلق نيّة الصّلاة. ولا تجزئه نيته (٥) من النّهار حتّى يكون متَّصِلًا بفجرٍ أو قبله كما جاء في الحديث.

وكان الخطيبُ بأصبهان حامد بن رجاء البغدادي، وصل إلينا حَاجًّا سنة تسعين وأربع مئة، فذكرنا له في هذه المسألة نكتةٌ بديعة عن الشّيخ الإمام جمال الإسلام أبي بكر محمّد بن أحمد بن ثابت (٦) في هذه المسألة، فقال: إنَّ النِّيَّة هي القَصْد، والقَصْد إلى الماضي محالٌ عَقْلًا، وانعطافُ النِّيَّةِ معدومٌ شرعًا، فصار قولُه: "لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبيِّت الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ" مُجْمَلًا، فحمَلَهُ مالك على عمومه في النَّفْلِ والفَرْضِ، والحقُّ مَعَهُ؛ لأنّ القصدَ بالفعلِ إنّما يكون حالةَ الفِعْلِ، وأمّا بَعْدَهُ فمحالٌ أنّ يرجع إليه؛ لأنّ المستقبلَ لا يلحق الماضي حِسًّا ولا حُكْمًا، وهذا الكلام قريبٌ من الأوَّلِ.


(١) انظر هذه الفقرة في العارضة: ٣/ ٢٦٦.
(٢) انظرها في عارضة الأحوذي: ٣/ ٢٦٦ - ٢٦٧.
(٣) أخرجه البخاريّ (١) من حديث عمر.
(٤) زاد في العارضة: "مثلًا".
(٥) جـ، والعارضة: "نية".
(٦) الخُجَنْدِيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>