للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا المعذور فيأتي بيانه إنّ شاء الله.

وأمّا غير المعذور، فإنّ الكفّارةَ تلزمه بذلك كلِّه عند مالك، على أيِّ وجهٍ كان فطره من العَمْدِ أو الهَتْكِ لِحُرْمَةِ الصّوم.

وقال أبو حنيفة بمثل قولنا في ذلك كلّه (١)، إِلَّا بخروج المَنِيِّ من غير إيلاجٍ.

والدليل على ما نقوله: أنّ هذا قَصَدَ إلى الفِطْرِ وهَتَكَ حُرْمَةَ الصَّوْمِ، فوجبت عليه الكفّارة كالمُجَامِعِ.

المسألة الثّالثة (٢):

قوله (٣): "هلكتُ يا رسولَ الله" وقد استدلَّ بعض علمائنا بقوله: "هلكت" أنّ هذا الرَّجل كان متعمِّدًا. وقوله: "هلكلتُ" لا يكون إِلَّا مع القَصْدِ إلى هَتْكِ حُرْمَةِ العِبَادَةِ، فإنّ النَّاسِي غير هالك ولا محترق (٤).

وقال ابنُ المَاجِشُون: يُكَفِّر النَّاسي في الجِمَاعِ في رمضان خاصَّة دون الأكل، لأنّا لم نعلم حال هذا الوَاطِىء في الحديث، ولعلَّه كان ناسيًا ولم يشعر (٥).

واتّفقَ النّاس على أنّ من وَطِىءَ أهله في رمضان مُتَعَمِّدًا أنّه قد أَتَى كبيرة وعليه الكَفَّارة. واختلفوا فِيمَنْ وَطِىءَ ساهيًا، فذهبَ عامَّةُ النّاس إلى أنّه لا كفَّارَة عليه؛ لأنّ الذَّنْبَ موضوعٌ عنه، ونزعَ لذلك بعض علمائنا، وتعلَّقَ بوَجْهَيْنِ: أحدهما: أنّ الأعرابيَّ الّذي واقعَ أَهْلَهُ يحتملُ أنّ يكون أَتَى ذلك سَهْوًا، ويحتملُ أنّ يكون أتَى ذلك عَمدًا.

والثّاني: أنّه إذا وجبتِ الكفَّارةُ في العمد، فمثله في السَّهْوِ، ككفَّارة القَتْلِ، وهذا فاسد.


(١) انظر مختصر الطحاوي: ٥٤.
(٢) انظر الفقرة الأولى من هذه المسألة في عارضة الأحوذي: ٣/ ٢٥١، وانظر الباقي في القبس: ٢/ ٤٩٨ - ٤٩٩.
(٣) أي قوله في الحديث السابق، لكن بلفظ مسلم (١١١١)، والترمذي (٧٢٤).
(٤) تتمة العبارة كما في العارضة: "برفع المؤاخذة عنه".
(٥) تتمة الكلام كما في العارضة: "بأنَّ الناسي غير مؤاخذٍ. قلنا: لا يُقْضَى بالعموم في حكايات الأعيان؛ لأنّه من المحال أنّ يجتمعا، فلا بدّ أنّه كان أحدهما، والأصل براءة الذِّمّة، فلا يثبت فيها الشغل إِلَّا بيقين، ولم يكن عدم مؤاخذة النّاسي عندهم خفيًّا بل كان معلومًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>