للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول:

قال الإمام: فإن قيل: قوله: "نَهَى" هل هذا النّهي يقتضي المَنْع والتَّحريم، أم هو بمعنى الشَّفَقَة عليهم؟ فيكون قوله على النّدب، وهي:

المسألة الأولى (١):

قلنا: بَلْ هو على وَجْهِ التَّخْفِيفِ عنهم والشَّفَقَة والرَّحمة بأُمَّتِهِ، فمن قدر على الوِصَالِ فلا حَرَجَ؛ لأنّه لله يَدَع طعامه وشرابه، وكان عبد الله بن الزّبير وجماعة يواصِلُون الأيّام (٢)، ففي هذا دليلٌ أنّه لو كان على التّحريم لم يخالفوه بالمواصلة، كما لم يخالِفُوهُ بصوم يوم الفِطْر والأَضْحَى. لَمَّا كان ذلك على التّحريم وأنّه أيضًا - صلّى الله عليه وسلم - واصلَ بهم إلى السَّحَر، وهذا يدلُّ على جوازِهِ، ولولا ذلك لما واصل بِهِم.

المسألة الثّانية:

قوله: "يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِيني" فيه عن علمائنا ثلاث تأويلات.

أحدها: أنّ ذلك حقيقة، وهذا فاسدٌ؛ لأنّه لو صحَّ ذلك لما قالوا: "فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ".

التَّأْوِيلُ الثّانِي: "إنَّهُ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي" أي يُطعمني من الرّي والشِّبع، فأكون بحال مَنْ أكلَ؛ لأنّ الطَّعامَ ليس من شرْطِهِ أنّ يُشْبِع، وإنّما يُحْدِثُ البارئ تعالى الشِّبَعَ والرّيَّ عند تناولهما.

التّأويل الثّالث (٣) - قولُه: "يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي" على معنى الكناية، عما يخلق الله تعالى له من القُوَّةِ على الصِّيَامِ، بأن يخلق الباريء فيه من الشِّبع والرِّيِّ ما يغني عن الطَّعامِ، فلا يبالي بالوِصَالِ، ولو كان طعامُه وشرابُه من الطّعام والشراب المعتاد، لما كان مواصِلًا ولكانَ مُفْطِرًا.

المسألة الثّالثة (٤):

قوله (٥): "إِيَّاكُمْ وَالوِصَالَ" هو تأكيدٌ في المنع، لما كان يخافه من الضَّعْفِ


(١) القسم الأوّل من هذه المسألة مقتيس من الاستذكار: ١٠/ ١٥١، والثّاني من المنتقى: ٢/ ٦٠ بتصرُّف.
(٢) هنا ينتهي النقل من الاستذكار، ليبدأ من المنتقى.
(٣) هذا التّأويل مقتبس من المنتقى: ٢/ ٦٠ بتصرُّف.
(٤) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٢/ ٦١.
(٥) في حديث الموطّأ (٨٢٨) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>