للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكفر هو: السّتر والتّغطية، وقد يكون بالفعل حِسًّا، وقد يكون بالإنكار والجحود مَعْنىً، وكلاهما: حقيقة ومجاز.

فإذا قلنا: إنَّ الكفر هو الجحودُ للأشياء الأُخرَوِيّة وإنكارُها، فالشَّرعُ لم يعلِّق الأحكام الشرعيَّة على كلِّ ما ينطلق عليه اسم الكفر، وانّما علّقه على بعضها، وهو الكفر بالله وصفاته وأفعاله.

والدّليل عليه قوله: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} (١).

وقوله: {لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} نصٌّ في الكفر بذاته يقينًا، وبالكفر بالصّفات ظاهرًا؛ لأنّ الله تعالى هو الموجودُ الّذي له الأسماءُ الحسنى، والصَّفاتُ العُلا.

وأمّا قولُه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} (٢) فيها أربعة أقوال:

القول الأوّل: أنَّهم الرّوم، قاله ابن عمر (٣).

الثّاني: أنّهم الدّيلم، قاله الحسن (٤).

الثّالث: أنّهم العرب، قاله ابن زيد (٥).

الرّابع: أنّهم أهل الكفر أجمع؛ لأنّ الله قد سمّاهم كفّارّا، فالخطاب واقعٌ على العموم في قتال الأقرب والأدنى، قاله ابن عبّاس وغيره.


(١) التوبة: ٢٩.
(٢) التوبة: ١٢٣، وانظر أحكام القرآن: ٢/ ١٠٣٢، والجامع لاحكام القرآن: ٨/ ٢٩٧.
(٣) أخرجه ابن مردويه، كما نصّ على ذلك السّيوطي في الدَّرَّ المنثور: ٣/ ٢٩٣، وهو القول الّذي صحّحه ابن العربى في أحكام القرآن: ٢/ ١٠٣٢ حيث قال: "وقول ابن عمر أصحّ، وبداءته بالرّوم قبل الدّيلم لثلاثة أوْجُهٍ:
أحدها: أنّهم أهل كتاب, فالحُجَّة عليهم أكثر وآكد.
والثّاني: أنّهم إلينا أقرب، أعني أهل المدينة.
الثّالث: أنّ بلاد الأنبياء في بلادهم أكثر، فاستنقاذُها منهم أّوْجَب".
(٤) أخرجه ابن أبو حاتم في تفسيره: ٦/ ١٩١٣، وانظر السيوطيّ في الدر المنثور: ٣/ ٢٩٣.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره: ٦/ ١٩١٤، وانظر السيوطيّ في الدر المنثور: ٣/ ٢٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>