للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله (١):"يَضحَكُ الله إِلَى رَجُلَينِ". الضَّحِكُ من اللهِ تعالى بمعنى: الرَّضَى (٢)، يريدُ أنّهما يُقْتَلَانِ في ذاته فيرضى عنهما ويَتَلقَّاهُما من الثَّواب ما يتلقى به الضّاحِكَ المسرورُ من يقدم عليه.

ويحتمل أنّ يريد: ضحك ملائكته وخَزَنَة جنّته وحَمَلَة عَرْشِه لهما، على معنى التّبشير لهما بما يقدمان عليه (٣).

وقوله (٤): "يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ" وذلك أنّ مثل هذا غير معهود؛ لأنّ قتل أحدهما الآخر: على معنى المخالفة في الدَّين يقتضي بِمُسْتَقرَّ الشَّرْعِ أنّ يكون أحدهما هو المحقّ من أهل الجنّة، ويكون الثّاني هو المُبْطِل من أهل النّار، وهذه القصَّة على خلاف ذلك، فإنّهما جميعًا يدخلان الجنّة، ولعلّهما يكونان من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ} الآية (٥).

وقوله (٦):"ثُم يَتُوبُ اللهُ عَلَى الْقاتِلِ" يحتمل أنة كانَ كافرًا فيتوبُ بالإيمانِ، فيسقطُ عنه ما فَعَلَهُ حالَ الكفرِ.

قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (٧).


(١) الفقرة التالية اقتبسها المؤلِّف من المنتقى: ٣/ ٢٠٥.
(٢) وبنحو هذا التّأويل فسَّره ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١٤/ ٢١٧، والتمهيد: ١٨/ ٣٤٥ وقال فيه: "وأهلُ العلم يكرهون الخوض في مِثل هذا وشِبْهِهِ من التَّشْبيه كلّه في الرَّضَا والغَضب، وما كان مِثَلَهُ من صفات المخلوقبن، وبالله العصمةُ والتوفيقُ".
ويقول البوني في تفسير. للموطا: ٦٨/ ب "يريد حسن القَبول والجزاء، ولا يجوز أنّ يوصف الله تبارك وتعالى بالضّحك الّذي هو حادث؛ لأنّ الله عَزَّ وَجَلَّ قديم لم يزل".
قلنا: جمهور سَلَفِنَا الصالح يمتنعون من تأويل صفة الضحك وصائر الصفات الخبرية، فينبغي أنّ يراعى فى مثل هذا الإيمان والتسليم، مع الاعتقاد أنّ صفات الله عَزَّ وَجَلَّ لا تشبه صفات المخلوقين.
(٣) تتمّة الكلام كما هو في المنتقى: "من فضل الله تعالى ورحمته ونعمته".
(٤) الفقرة التّالية اقتبسها المؤلِّف من المنتقى: ٣/ ٢٠٥.
(٥) الأعراف: ٤٣.
(٦) الشرح التالي اقتبسه المؤلِّفُ من المنتقي: ٣/ ٢٠٥.
(٧) الأنفال: ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>