للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا: قد كَسَب الكذِبَ لم يكتَسِبِ العَقْدَ، فإنّه إذا أخبر أنّه فعلَ أمْسِ ولم يفعلْ، فهذا خبرٌ لامُخْبَرَله، فإذا حَلَفَ عليه فقد عقَد ما لا ينعقدُ.

فإن قيل: عَقدَ إظهارَ الصِّدقِ.

قلنا: قد بيَّنَّا أنّه لا مُعَوّلَ على اللّفظِ، وإنّما المُعَوَّلُ على ما يربطه القلب، وقد بيّنّا ذلك في "مسائل الخلاف".

المسألةُ الثالثةُ (١):

قال القاضي - رضي الله عنه -: ولَمَّا عَلِمَ تعالى أنَّ اليمين تَرتبِطُ، وأنّ الخَلْقَ يتهافَتُون إليها سِرَاعًا، فجعلَ منها مَخرَجًا بالاسْتِثنَاءِ، وهو على وجهينِ: إمّا بحروفه، وإمّا بقوله: إن شاء اللهُ. فإن كان بحروفه جَرَى على مقتضى اللُّغة. وإن كان بمشيئة اللهِ، انحلَّتِ اليمينُ عند كافَّةِ الفقهاءِ في كيفما ذكَرها.

وقال مالكٌ: إنّما لا تنحلُّ إِلَّا إذا قَصَدَ بذلك الحَلَّ؛ لأنّ مشيئةَ اللهِ متعلَّقَةٌ بكلِّ موجودٍ ذكرَها الحَالِفُ أو ترَكَها، فلابُدَّ من قَصْدِه إلى الاستثناءِ* بها.

ومتى يقعُ الاستثناءُ؟ قال سائرُ العلّماءِ عن بَكرَةِ أبيهم: يكون الاستثناءُ* بعد اليمين نَسَقًا، لا يكون بينهما من الفصل ما يَقطَعُ الاتِّصالَ.

وذهب محمّدُ بنُ الموّاز إلى أنّ الاستثناءَ إنّما يكونُ قبلَ أنّ تتمَّ اليمينُ، فإن تمّتْ ثُمَّ عقَّبها بالاسْتِثنَاء لم تنحلَّ، وهذا حَرَجٌ عظيمٌ، فأرْخصَ اللهُ تعالى فيها، أعني في حلَّها بالاستثناءِ بعد عَقْدِها بالقلبِ رِقْقًا منه بالخَلْقِ.

وُيعْزَى إلى ابنِ عبّاسٍ أنّه يُجَوَّزُ الاستثناءَ غير متَّصلٍ (٢)، وقد بيَّنْاهُ في "كتب الأصول" (٣).


(١) انظرها في القبس: ٢/ ٦٦٩ - ٦٧٠.
(٢) ذكر المؤلِّف في الأحكام: ٢/ ٢٤٧ أنّ قول ابن عبّاس خارج عن اللُّغة، واعتبر في المحصول في
علم الأصول: اللوحة ٣٢/ ب أنّ هذه الرِّواية غير صحيحة".
(٣) انظر المصدرين السابقين، والعارضة: ٧/ ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>