للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخلتِ الدَّار إنَّ شاءَ اللهُ، أو سكت عن المشيئَةِ، وقد قدَّرها الله تعالى ورتّبها، ولم يُبَيِّنُ في القرآن ميقاتَها. واختلفَ العلّماءُ فيها:

فمنهم من قال: لا تجوزُ الكفَّارةُ إِلَّا بعدَ الحِنْثِ (١).

ومنهم من قال: تجوزُ قبلَ الحَنْثِ، وإلى ذلك مالَ علماؤُنا.

والأصلُ في اختلافهم: الحديثُ الصّحيحُ، قولُه: "من حَلَفَ علَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيرَهَا خيرًا مِنْها -وَرُوِيَ: فَلْيأتِ الًذِي هُوَ خَيْرٌ- وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ" (٢) بتَقديمِ الحِنْثِ على الكفّارةِ، ورُويَ: "فَلْيُكفِّرْ عن يمِينِهِ، وَلْيَأتِ الذِي هُوَ خَيرٌ" (٣) بتقديم الكفّارة على الحنثِ.

واضطرت النَّاسُ في ذلك:

فمنهم من قال: الواوُ لا تُعطِي رتبةً، وإنمّا المُعَوَّلُ على المعنى، وذلك أنّ الكفارةَ متعلِّقة بسببين: اليمينِ والحِنْثِ، فلا يجوزُ تقديمُها على أحدهما، كما لم يَجُزْ تقديمُ الزّكاة على الحَوْلِ والنِّصَابِ.

ومنهم من قال: إنّما سببُ الكفارةِ اليمينُ وحدَها، والكفّارةُ بَدَلٌ عن البِرِّ فَيُخرِجُها قبل الحَنْث.

وقد استوفينا الطَّريق في ذلك في "مسائل الخلاف"، وأمّا أنت في هذا "المسلك" فاقتد بفعل النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -، أو قدَّمَ أو أَخِّر، فإنَّ النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - قدَّمَ وَأَخَّر، قد عَلِمَ حالةَ الوَاوٍ في الرُّتبة وغيرها، وهو القُدْوةُ وهو الأُسْوَةُ.


(١) قاله مالك في المدوّنة: ٢/ ٣٨ في الكفارة قبل الحنث.
(٢) أخرجه مالك في الموطَّأ (١٣٧٣) رواية يحيى.
(٣) أخرجه مسلم (١٦٥١) عن عَدِيٍّ بنِ حاتِمٍ مرفوعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>