للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوصل مسائل الفقه المالكي بحسب الإمكان بالأصول، ويرجع ما يستطيع إرجاعهُ إلى أصل من الأصول، ليكون ذلك الحديث أصلًا تُسْتَخْرَج منه هذه المسائل، فهو بهذا الصَّنيع كان يُنَقِّح الفقه المالكي بتحقيقه لمناط الأحكام ونَظَره في الأدلَّة، ونقضه على الفقهاء ما كانوا يفتون به تقليدًا أو عن ضعف دليلٍ.

وهكذا؛ فإنَّ الناظر في شرح حديث "المسألك" يرى بوضوح سمة طرائق علماء الأصول في الفكرة والعَرْضِ والمصطلح.

ونعتقدُ أنَّه في عمله الاجتهادي هذا، كان مُتأثرًا أكبر التأثر وأشدّه بالإمام الجليل أبي الوليد الباجي في "المنتقى" في إيراد الأقوال المختلفة في المذهب وغيره، فيتوسَّع في الخلاف، ويجنح إلى التّخفيف من التزام التّقليد، وذلك بفتح باب النَّظَر في الأدلَّة، ولو في حدود النَّظر الذهبي أحيانًا.

كما نُلاحظ أنَّ المؤلِّف اهتمٌ في كثير من المواطن بالضَّبط والتنظير، فأكثر من البحث والنّظَر والاستشكال، فنقد كثيرًا من الأقوال داخلَ المذهب وخارجَهُ واستبعدها، مُبيِّنًا ذلك بتصوير الوقائع، وملاحظة ما يتحققُ فيها من الصالح المقصودة للشَّرع وما لا يتحقَّق، وبهذه الأبحاث القيِّمة المُمحَّصة للنّصوص: نقدًا وتحريرًا، ومشاركة في المباني والمدارك، ظهرت براعتهُ في تنزيل القواعد والمقاصد, مِمّا يجعلنا نزعم أنّه بنزعته التجديديّة هذه، أنتهج بالفقه المالكي نهجًا متطوِّرًا جديدًا عدلَ فيه عن المنهج الالتزامي، وسار على المنهج التصرّفي (١) الَّذي مهَّد سببله ابن عبد البّر في "الاستذكار".


(١) على حَدِّ تعبير شيخ شيوخنا محمَّد الفاضل بن عاشور.

<<  <  ج: ص:  >  >>