للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ومَن طلَّقَ منهم حائضًا أُجْبِرَ على الرَّجعةِ، خلافًا لأبي حنيفة (١) والشّافعيّ (٢) في قوليهما: يُؤْمَرُ بها ولا يُجْبَرُ.

ودليلُنا: ما تقدَّمَ من قولِهِ "فَتِلْكَ الْعِدَّةُ التِي أَمَرَ اللهُ أنّ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاء" (٣).

ومن جِهةِ المعنى: أنَّه مضارّ بتطويل العِدَّةِ، فمُنِعَ من ذلك وأُجْبِرَ على الرَّجْعَةِ.

المسألة الثّامنة (٤):

قولُه (٥): "حَتَّى تَطْهُرَ، ثمّ تَحِيضَ ثُمَّ تطْهُرَ، ثُمَّ إنَّ شَاءَ طَلَّقَ، وَإِنْ شَاءَ أمْسَكَ" قال البغداديون: معنى ذلك أنَّ يُمْسِكَها في الطُّهْرِ ليتمكَّنَ من الوَطءِ إِن شاءَ؛ لأنَّ مقصود النِّكاح المبتدأ والرَّجعة الوطءُ، فلذلك شُرعَ له أنَّ يُمسِكها في طُهْرٍ يكون له فيه الوَطءُ إِن شاءَ. قال اللهُ العظيم: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (٦) وقال: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الآية (٧)، فَشَرَطَ الإصلاحَ (٨)، ومعناه: أنّ يكون على سُنَّةِ النّكاحِ، ولفظُ الرَّجعةِ يدلُّ على وقوع الطَّلاقِ، ولو لم يقع لقال: "مُرْهُ فَلْيُمْسِكْهَا" هكذا روى نافع عن ابن عمر، وهو أَثْبَتُ النَّاسِ.

قوله: "مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا" الرَّجْعَةُ -بفتحِ الرَّاءِ- إذا طلَّقها تطليقة أو تطليقتين فراجَعَها رجعة، وأَصْلُهُ من الرُّجوعِ، أي راجعها بالنِّكاح، معناهُ: يرجع عن الطَّلاقِ رَجعةً -بالفتح- وهي بفعلة، والمبارأة مَأخوذةٌ من البراءَةِ، وهو أنّ يفترقَ أحدهما عن صاحبه عن غير عِوَضٍ منهما. ومن ذلك اشتقَّت البراءة النّبيّ بكتبها النَّاس بينهم.


(١) انظر مختصر الطحاوي: ١٩٢.
(٢) انظر الحاوي الكبير: ١٠/ ١١٥ - ١١٦.
(٣) انظر تخريجه فيما سبق.
(٤) النصفُ الأوّلُ من هذه المسألة مقتبس من المنتقى: ٤/ ٩٧ - ٩٨.
(٥) في حديث الموطَّأ السابق ذكره.
(٦) البقرة: ٢٣١.
(٧) البقرة: ٢٢٨.
(٨) يعني إرادة الإصلاح في الرَّجعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>