للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب ما جاء في العَزْلِ

قال الإمامُ: اختلفَ العلّماءُ في هذا البابِ، هل هو على الكراهيّة أو الإباحة؟

فذهبَ الجمهورُ من علمائِنَا إِلى الإباحةِ.

وذهب ابنُ عمر (١) وغيرُه (٢) إلى الكراهية.

وقال بعضهم: هو الموؤودةُ الصّغرى (٣).

ولا خلافَ (٤) بين الأُمَّةِ في جوازِهِ، وانّما كرهَهُ بعضُهم، خصوصًا في الأَمَةِ.

فأمّا الحُرِّةُ، فرأى مالكٌ (٥) ألَّا يعزِلَ عنها إِلَّا بإذنها؛ لأنَّه يرى أنَّ حقَّها في الوَطءِ ثابتٌ مدَّةَ النِّكاحِ.

وقال سائر الفقهاء: إذا وَطِءَ الزّوجُ أهلَهُ وَطأَةً واحدةً، لم يكن لها أبدًا حقٌّ في طَلَبِ الوَطْءِ.

وهذا ضعيف؛ لأنَّه لو حلف ألَّا يَطَأَهَا، ضُرِبَ له أجلُ أربعةُ أَشْهُرٍ إجماعًا بنَصِّ القرآنِ (٦)، فإذا تركه مُضَارًّا، فقد وُجدَ معنَى الإيلاء، والأحكامُ كما قدَّمنا إنَّما تَثْبُتُ بمعانِيهَا لا بألفاظٍ فيها، فوجبَ أنّ يكونَ حقُّها في طَلَبِ الوَطْءِ باقيًا في مُدَّةِ النِّكاحِ. فإذا أَذِنَتُ في العَزْلِ جازَ، وان كان فيها قطعٌ بالتَّوَلُّدِ والنَّشْأَةِ، وقد قال النَّبىُّ عليه السّلام: "مَا عَلَيكُنم أنّ لَا تَقعَلُوا" (٧) والتقدير: كأنّكم تريدون التَّحَرُّزَ ولستم تَقْدِرُونَ على ذلك، "مَا


(١) كما في الموطَّأ (١٧٤٣) رواية يحيى. ويرى البوني في تفسير الموطَّأ: ٩١/ أأنّ كراهية ابن عمر يحتمل معنيين: أحدهما: أنَّ يحبّ الولد ليعبد الله تعالى ويوحِّده فينتفع الأب بذلك. أو يكون أراد أنَّ يستسلم للقَدَرِ، فما هو كائن فلابدَ أنَّ يكون.
(٢) روى ابن أبي شيبة (١٦٦٠٠) عن ابن المُسَيِّب؛ أنّ أبا بكر وعمر كان يكرهان العزل ويأمران النَّاس بالغسل منه.
كما روى ابن أبي شيبة (١٦٦٠١) عن سعيد أيضًا أنّه قال: "إنَّ رجالًا من المهاجرين كانوا يكرهون العزل منهم فلان وفلان وعثمان بن عفّان".
(٣) هو زعم اليهود كما في مصنف عبد الرزّاق (١٢٥٥٣، ١٢٥٧١)، وأحمد: ٣/ ٥١.
(٤) انظر الكلام التالي في القبس: ٢/ ٧٦٢ - ٧٦٣.
(٥) في الموطَّأ (١٧٤٦) رواية يحيي.
(٦) كما في سورة البقرة: ٢٢٦ {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
(٧) أخرجه مالك (١٧٤٠) رواية يحيي، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٧٢٩)، وسويد (٣٧٧)،=

<<  <  ج: ص:  >  >>