للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألةُ الرّابعةُ:

قولُ زَيْدِ للحَجَّاجِ: "أَفْتِهِ" (١) فيه دليلٌ على فتوى الطّالب بين يدي المعلِّم، فقال الحجّاج: "إنَّمَا هُوَ حَرْثُكَ إنْ شِئْت سَقَيْتَهُ، وإِنْ شِئْتَ أَعْطَشْتَهُ" (٢) بيانٌ في جوازِ العَزْلِ عن الإماء.

وقولُه (٣):إ مَا عَلَيْكُمْ أنّ لَا تَفْعلُوا" "ما" هاهنا استفهامٌ، وظاهرُ هذا الكلام منع العَزْلِ، إِلَّا أنَّه يخرج منه إباحة العزل (٤).

وصريحُ المذهبِ: أنَّ العَزْلَ جائزٌ في الأَمَةِ، ولا يجوزُ في الحُرِّةِ إِلَّا بإذْنِهَا؛ لأنّ الوَطْءَ والإنْزالَ من حقَّها، فيكون لها استيفاؤه، وكذلك إنَّ كانت الزّوجةُ أمةً، قيل: يستأذِنُها، وقيل: لا يستأذِنُها (٥).

[باب القول في الإحداد]

قال الإمام (٦): الإحدادُ واجبٌ، وهو حقُّ اللهِ تعالى، أمّا القرآنُ فأفادَ وجوبَ التّربُّصِ بقوله: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} الآية (٧)، وأفادتِ السُّنَّةُ الإحدادَ، وهي هيئةٌ في التّربُّصِ، وأَذِنَ لهُنَّ في غيرِ الأزواجِ بثلاثةِ أيّامٍ، لِمَا يَغْلِبُ النِّسوانَ من الجَزَع، وَيَسْتَوْلي عليهنَّ من الكَرْب، وما وراء ذلك حرامٌ في غَير الزَّوجِ، واجبٌ في الزّوجِ، وليس ذلك بزيادةٍ في النَّصِّ، وإنَّما هو تفسيرٌ لِكَيْفِيَّةِ التَّربُّصِ كما قدّمنا. وقد كان هذا شرعًا لِمَن


(١) أخرجه مالك (١٧٤٤) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٧٣١)، وسويد (٣٧٩)، ومحمد بن الحسن (٥٥٠)، وعبد الرزّاق (١٢٥٥٥)، وابن بكير عند البيهقي: ٧/ ٢٣٠.
(٢) هو جزء من الحديث السابق ذِكْرُهُ.
(٣) في حديث الموطَّأ (١٧٤٠) رواية يحيى.
(٤) يقول البوني في تفسير الموطَّأ: ٩١/ أ "في حديث أبي سعيد الخدري إباحة العزل بقوله: ألَّا تفعلوا، معناه: ما عليكم شيءٍ ألَّا تعزلوا؛ فإنَّه ما من نسمة قدَّرَ اللهُ تعالى ان تكون إِلَّا ستكون ... وفي حديث أبي سعيد أنَّه كان يخبر أنَّه يفعل ذلك، يعني العزل، وهذا يدلُّ على أنّ الخبر يقوم مقام الإباحة".
(٥) انظر البيان والتحصيل: ١٨/ ١٥١ - ١٥٢.
(٦) انظر هذه الفقرة في القبس: ٢/ ٧٦٤.
(٧) البقرة: ٢٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>