للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّصِّ فيه، وتَمَنَّى أنَّ تكونَ جميع وجوه الرِّبَا ظاهرة جلية يعلمه بنصِّ النَّبيِّ عليه السّلام عليها, ولا يفتقر إلى طَلَبِ الأدِلَّةِ في شيءٍ منها، واللهُ عزَّ وجلَّ (١) لَمَّا أراد أنَّ يَمْتَحِنَ عبادَهُ ويبتليهم فَرَّقَ بين طرق العِلْمِ، فجعلَ منها ظاهرًا جليًا وباطنًا خفيًّا، ليُعْلَمَ الباطنُ الخَفِىُّ بالاجتهادِ والنَّظَرِ من الظّاهر الجلىِّ، فرفعَ بذلك الّذين آمنوا والّذين أُوتُوا العلّمَ درجاتٍ، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ} الآية (٢).

قال علماؤنا (٣): فمنِ استحلَّ الرِّبا فهو كافرٌ حلالُ الدَّمِ يُسْتَتَابُ، فإن تابَ وإلَّا قُتِلَ، قال اللهُ تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (٤) يريد عاد إلى الرِّبا مستحلًّا له؛ لأنّ الخلودَ في النّار من صفاتِ الكافرينَ.

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} الآية، إلى قولِهِ: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية (٥) أي: إنْ لم تفعلوا فتقبلُوا ذلك وتُقِرُّوا به {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية (٦)، أي: فاعلموا أنكم مُحَارَبُونَ من اللهِ ورسولِهِ لأنّكم مشركون.

وقد بيَّنَّا أنّ أصلَ "الرِّبَا" لغةً وشرعًا: الزّيادةُ، يقال: رَبَا الشَّيْءُ يَرْبُو، إذا زَادَ وعَظُمَ، وأرْبَى فلانٌ على فلانٍ إذَا زادَ عليه، يُرْبِي إرْبَاءً، وقيل للمُرْبِيْ: مُرْبٍ لزيادته الّتي يستَزِيدُها في دَيْنِهِ لتأخره إلى أجلٍ، أو غير ذلك.

وأمَّا من باعَ بَيْعًا أَرْبَى فيه غير مُسْتَحِلٍّ للرِّبا، فعليه العقوبة المُوجِعَة إنَّ لم يُعْذَر


(١) من هنا إلى آخر الفقرة يشبه كلام ابن القصّار في المقدِّمة في الأصول: ٥، ومن الجائز أنّ يكون ابن رشد قد اعتمد عليه.
(٢) آل عمران: ٧.
(٣) المقصود هو الإمام ابن رشد الجدّ.
(٤) البقرة: ٢٧٥.
(٥) البقرة ٢٧٨.
(٦) البقرة: ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>