للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنْ أرادَ عن جدِّه الأقرب وهو محمّدٌ، فمحمّدٌ إنّما أخذَ الصّحيفةَ عن عبد الله، ولو أنّ مَالِكًا يَقِفُ عليها مثلًا لجازَ لَهُ أنّ يقولَ: قال رسولُ الله، وهكذا نحنُ إلى يومِ القيامةِ.

وقد كان عند أولاد تَمِيمٍ الدّاريِّ بِحَبْرُونَ -قرية إبراهيمَ- كِتَابُ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - في قِطْعَةِ من أَدِيم فيه (١):"بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَقْطَعَ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللهِ تَمِيمًا الدَّارِيَّ؛ أقْطَعَهُ قَرْيَتَيْنِ حَبْرُون (٢) وعَيْنُون (٣) - قريتي إبراهيم الخليل- يسير فِيهمَا بِسِيرَتهِ" وشاهدَ النّاسُ كتَابَهُ، إلى أنّ دَخَلَتْهُمَا الرُّومُ سنةَ ثنتين وتسعينَ، ولقد اعترضَهُ فيهما بعض الولاةِ ليأخُذَهما من يده إبَّانَ كونِي بالشَّامِ، فحضَرَ مجلسَه القاضي حَامِدٌ الهرويُّ (٤) وكان حَنَفِيًّا في الظَّاهر، ومعتزليًّا في الباطنِ، مُلْحِدًا شَاغِبًا، وكان الوالي سُكْمَانَ بن أرتق (٥)، فاستظهرَ أولادُ تَمِيمٍ بكتابِ النَّبيِّ، فقال القاضي حامدٌ: هذا الكتابُ لا يَلْزَمُ؛ لأنَّ النَّبىِّ أَقْطَعَ


(١) انظر روايات لهذا الكتاب في مجموعة الوثائق السياسية: ١٠٠ - ١٠٢ لحميد الله.
(٢) انظر محجم البلدان: ٢/ ٢١٢.
(٣) انظر محجم ما استعجم: ١/ ٤٢٠، ومعجم البلدان: ٤/ ١٨٠.
(٤) ذكر المؤلّف في العواصم: ٤٣ (ط. طالبي) أنَّه لقيه في عسقلان، يقول عنه أبو الوفاء القرشي في الجواهر المضيّة: ٣/ ٢٤ "كان عارفا بعلم الكلام على مذهب المعتزلة. وقال ابن العديم: كان فقيهًا حنفيًا، قرأ ببلده المبسوط وشرحه، والخلافيات، ومهر في علم النَّظر وجرى له بمصر مناظرات مع جماعة من المتكلمين، منهم المقدّم على مذهب الإسماعيلية داعي الدّعاة أبو نصر هبة الله، وردّ عليه في كتاب سمّاه "الهدى والأرشاد لأهل الحيرة والعِنَاد" ومن تصانيفه كتاب "تحقيق الرسالة باوضح الدّلالة" في النبوات، توفي سنة: ٤٨٢". وانظر أخباره في زبدة الطلب: ٢/ ١٩ - ٢٠، وسير أعلام النبلاء: ٨/ ٥٨٦، وميزان الاعتدال: ٣/ ٤٦٢.
(٥) يذكر القلقشندي في مآثر الإناقة في معالم الخلافة: ٢/ ٥ أنّ أتسز [والملاحظ أنّ ياقوت سمّاه في المعجم: ٥/ ١٧١ سكمانًا] بن أرتق الخوارزمي أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي، تغلب على دمشق في سنة ٤٦٨، وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب للمقتدي العباسي ... ولم يخطب بعدها بالشام لأحد من الفاطميين بقي بها إلى ما بعد خلافة المقتدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>