للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنّ الرجُلَ إذا اشترى عبدًا له ذَهَبٌ بِذَهَبٍ، فالقاعدةُ الثالثةُ تمنعُ منه من جهةِ الرِّبَا، والقاعدةُ العاشرةُ في المقاصدِ والمصالحِ تقتضي جوازَهُ؛ لأنّه إنّما المقصودُ ذاتُه لا مالُه، والمالُ وَقعَ تَبَعًا.

وقال علماؤنا: أصل البيع يقتضي إِلَّا يجوز بَيع العبد وماله؛ لأنّ مثل هذه المسألة لا تجوز، ألَّا تَرَى أنّ بَيعَ سِلعةٍ وذهبٍ بذهبٍ لا يجوز، لكنّها مستثناة من الأصول.

واختلفَ العلّماءُ في العبدِ هل يملكُ أَوْ لا يملك؟ فذهب مالك إلى أنَّ العبدَ يَملِكُ (١).

قلنا: ما فائدةُ الخلافِ في هذه المسألة؟

فالجواب: إِن فائدتها في معنى دقيق، وهو أنّ العبدَ إذا قلنا: إنّه يملك على مذهبنا، كان له أنّ يشتري الإِمَاءَ، ويطأ بملك اليمين. وإذا قلنا: إنّه لا يملك، لم يكن له ذلك.

وقال أهلُ مكّةَ والعراق: إنَّ العبدَ لا يطأ البتَّةَ.

وقال مالك: إنّه يطأ.

وحُجةُ مالك في أنّ العبدَ يملكُ: حديث النّبيّ -عليه السّلام-: "مَنْ بَاعَ عَبدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلبَائعِ، إِلَّا أَنْ يَشتَرِطَهُ المُبتَاعُ" قال مالك: وهذه إضافة، كما تقول: مال زيد، وألفاظُ الرَّسولِ -عليه السّلام- ذات معانٍ مفيدة.

واحتجّ أيضًا مالك بقوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور: ٣٢] الآية- إلى قوله: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ} [النور: ٣٢] (٢)، والفقر والغنى صفتان لا يخبر بهما إِلَّا عن من يملك (٣).

واحتجّ أهلُ العراق والحِجَاز على أنَّه لا يملك، بأنّها إضافة محل، كما يقال: سَرْجُ الدّابةِ، وبابُ الدّار، فجعلوها إضافة محلّ.

بَابُ مَا جَاءَ فِي العُهْدَةِ

قال الإمام (٤): العُهدةُ تنبني على القاعدةُ الخامسة، وهي الرّجوعُ إلى العُرفِ الّذي تنبني عليه أكثرُ المسائلِ الشّرعيةِ.


(١) انظر التفريع: ٢/ ١٧٩، والمعونة: ٢/ ١٠٦٩.
(٢) النور: ٣٢.
(٣) انظر هذه الحجة في المعونة: ٢/ ١٠٦٩.
(٤) انظره في القبس: ٢/ ٨٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>