للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمهاجرة والمصارمة واحد.

الثّامنة (١):

قوله: "لكِنِ البائسُ سَعدُ بنُ خَولَةَ، يَرثِي لَهُ رَسُولُ اللهِ أنّ مّاتَ بِمَكَّةَ" والبائس هو الفقير، وهو مشتقٌّ من البُؤس (٢)، وأراد به هاهنا النَّقصَ من الخير والفضل، والله أعلم.

وقوله: "يَرثِي" يقول: يتوجّع، ومنه المراثي في الشِّعر، فتوجَّعَ له رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - إذ ماتَ بمكَّة.

التّاسعة (٣):

اتفقتِ الأُمَّةُ على أنّ الوصيّةَ بالثُّلُث هو المعمول بها اليوم.

فإن قيل: قد رُوِيَ عن عمر أنّه أوصى بالرُّبع، وأَوصَى أبو بكر - رضي الله عنه - بالخُمس، وقال: رَضيتُ في وصيَّتِي ما رَضِي الله به لنفسه من الغنيمة (٤).

قلنا: إذا ثَبت ذلك، فليس بمعمولٍ به؛ لأنّه قدِ اتَّفقَ العلّماءُ على أنّ من له وارثٌ فليس له أنّ يُوصي بأكثر من ثُلُثِه، لقوله: "والثُّلُثُ كَثِيرٌ" ولقوله: "إِنَّكَ أنّ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغنِياءَ ... " الحديث (٥)، فثبت أنّ للوَرَثَة حقٌّ في مال المريض يمنع ما زاد على الثُّلُثِ.

فرع (٦):

فإن لم يكن له وارثٌ، فهل له أنّ يوصي بماله كله؟ فَمَذهَبُ مالكٍ أنّه لا يجوز (٧)، وبه قال الشّافعيّ (٨)، وهو قول زَيد بن ثابِت.


(١) هذه الفائدةُ مقتبسة من تفسير الموطَّأ للبوني: ١٠٨/ ب.
(٢) تتمّة الكلام كما في تفسير البوني: "ويقال أيضًا لكل من نزلت به مصيبة بائسٌ".
(٣) انظر المنتقى: ٦/ ١٥٦ - ١٥٧.
(٤) أخرجه عبد الرزّاق (١٦٣٦٣).
(٥) الّذي أخرجه مالك في الموطَّأ (٢٢١٩) رواية يحيى. من حديث سعد بن أبي وقّاص.
(٦) هذا الفرع مقتبس من المنتقى: ٦/ ١٥٦.
(٧) والدّليل على ما ذهب إليه المالكية: أنّ له من يعقل عنه، فلم يكن له أنّ يوصي بأكثر من الثُّلُث، أصل ذلك من يرثه بنوه.
(٨) انظر الحاوي الكبير: ٨/ ١٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>