للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باب جامع القضاء وكراهيَّته (١)

قد تقدّم الكلامُ في كتابُ القضاء (٢) بما يُغنِي عن إعادتِه هاهنا، غير أنّ ولاية القضاء خلافة الله في أرضه، ونيابة عن رسوله في شرعته، ومنزلة ذات خطرٍ مع ما فيها من الخَطَر، ولذلك خَوَّفَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - منها كثيرًا، فقال: "مَنْ جُعِلَ بَينَ النَّاسِ قَاضِيًا، فَكَأنَّما ذُبِحَ بِغَيرِ سِكِّينٍ" (٣).

القضاء في حال العبيد (٤)

اعلم أنّ العبدَ له شرف الآدميَّةِ، خلَقَهُ الله حيًّا درَّاكًا، عاقلًا مُمَيِّزًا، فإذا آمنَ كَمُلَت درجتُه، بل في الحديث أنّها زادت على درجة الحُرِّ، لقوله: "ثَلَاثَةٌ يُؤتَونَ أَجرَهُم مَرَّتَينِ" فذَكَرَهُ وقال: "عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللهِ وَمَوالِيهِ" (٥) وهذا حقٌ مردُّهُ ربُّنا، لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "إِخْوَانُكُم خَوَلُكم، مَلَّكَكُم اللهُ رِقابَهُم، أَطعِمُوهُم مِمَّا تَأكُلُونَ، وَاكسُوهُم مِمَّا تَلبَسُونَ" الحديث" (٦).

فأخبر النّبيُّ -عليه السّلام- أنّ الأُخُوَّة والمِثلِيَّة ثابتةٌ بين العبد وسيِّده، إِلَّا أنّ درجته نقصت بمِلكِ الرَّقَبَة.

وحقيقة ذلك ومعناه: أنّ للعبدِ ذِمَّةً، وذِمَّتُهُ لا سلطانَ للسَّيِّد عليها، والدَّمُ معلومٌ، والذِّمَّةُ مجهولةٌ عند الناسِ. وقد بيَّنَّا ذلك في "مسائل الخلاف" وأنّها عبارة عن كونِ العبدِ أهلًا للإِيجابِ والاسحباب، وفي العبد التّصرُّف والانتفاع؛ وهو حقٌ للسَّيِّدِ، ثبت فيه


(١) انظره في القبس: ٣/ ٩٥٦.
(٢) انظر صفحة: ٢١٠ وما بعدها من هذا الجزء.
(٣) سبق تخريجه في التعليق رقم: ٣، صفحة: ٢١٢ من هذا الجزء.
(٤) انظره في القبس: ٣/ ٩٥٩.
(٥) أخرجه البخاريّ (٩٧)، ومسلم (١٥٤) من حديث أبي موسى الأشعري.
(٦) أخرجه البخاريّ (٣٠)، ومسلم (١٦٦١) من حديث أبي ذر الغفاريّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>