للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يُصَلِّ قَطُّ صلاةً بغيرِ طَهُورٍ، ولهذا قال مالك في آية الوضوء، وآية الوضوء وإن كانت مَدَنِية والصّلاة مكيَّة، فإنّ مالكًا روَى في حديث عِقْد عائشة فقال: وهم على غير ماء فنزلت آية التَّيَمُّم، ولم يقل: ونزلت آيةُ الوضوء دليل على أنّ الوضوء كان قبل.

تنبيه على مقصد:

اختلف العلماء -رضوان الله عليهم- هل كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يصلَّي قبلَ الإسراءِ أم لا؟ فقالت جماعة المُحَدِّثين: إنّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يصلِّي قبلَ الإسراءِ صلاةً مفروضةً، إلَّا ما كان أُمِرَ به من قيام اللّيلِ من تحديد ركعاتٍ معلوماتٍ لا في وقتٍ مَحْصُورٍ. وقال جماعةُ الفقهاءِ الّذين ليسوا من أهل النَّقل للحديث، مثل ابن حبيب وغيره: إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلِّي ركعتين بالغَدَاةِ وركعتين بالْعَشِىِّ، ويصومُ ثلاثة أيام من كلِّ شهر، وتأوَّلَ فيه قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} (١) وقال: هي صلاة مكَّة حين كانتِ الصّلاةُ ركعتين غُدوة وركعتين عشيّة، ولم يزل ذلك فرض الصلاة حتى أُسْرِيَ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففرضت الصلواتُ الخمسُ.

قال الإمامُ الحافظُ: وهذا الّذي رواه عبد الملك بن حبيب باطلٌ لا أصلَ له عند جماعة المحدِّثين، ولا ثبت نَقْلُه، وقد تابعه عليه جماعة من أهل الفقه في مصنّفاتهم، وهي لا تثبتُ بوجهٍ ولا على حالٍ.

قال أبو عمر: "ولم يختلف العلماءُ أنَّ فرضَ الصّلاةِ كان في الإسراءِ, وأنّه قد تقرَّرَ إجماعُ الأُمَّة على عَدَدِ فَرْضِ الصّلاةِ، وأنّها خمس صلوات وعدد ركوعها وسجودها، غير أبي حنيفة فإنّه شَذَّ وزاد أنّ الوتر فرضٌ (٢)، وليس ذلك في حديث الإسراءِ، وأدخل البخاريُّ (٣) حديثَ عائشة، فبيَّنَ أنّ الصّلوات المفروضات على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خَمسٌ."


(١) طه:١٣٠.
(٢) انظر كتاب الأصل: ١/ ١٤٨، ومختصر اختلاف العلماء: ١/ ٢٢٤ ومختصر الطحاوي: ٢٩، والمبسوط: ١/ ١٥٥.
(٣) في صحيحه (٤٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>