للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنهم من قال: إنّما ذلك لئلا يتشبه بفعل الشيطان.

وقال آخرون: إنّما أكلُهم تشَمُّمٌ (١)، فعلى هذا يكون قوله: "إنَّ الشَّيْطَانَ يأكُلُ بِشِمالِهِ" على المجاز، فمعناه: أنَّه يريد أنّ يأكل الإنسان بشماله ويدعو إليه فأُضِيفَ الأكلُ إليه.

وقال علماؤنا (٢): لا يأكل أحدٌ بشِمَاله، ولا يشرب بشماله إِلَّا مِنْ عُذْرٍ.

المسألة الرّابعة:

قال علماؤنا: في هذا الحديث دليلٌ على وجود الجِنِّ، وأنّهم أجسامٌ، خلافا وردًّا على قول الفلاسفة الّذين يقولون إنهم بسائط، وقد بينّا ذلك في "كتب الأصول" (٣) وأنّهم مكلَّفون، وأن منهم المؤمّن ومنهم الكافر، ومنهم الصّالحون ومنهم دون ذلك، وأنّ لهم حياةً وأجسامًا، وأنّهم تختلف صفاتهم.

ورُوِيَ عن وهب بن مُنّبِّه (٤)؛ أنَّه سئل عن الجِنِّ، وهل يأكلون ويشربون ويتوالدون؟ فقال: منهم من يأكل ويشرب وينكح وَيَتَوَالَد ومنهم الشّياطين والغِيلان والقطارية (٥)، وغير ذلك ممّا قد أوضحناه في "الكتاب الكبير".


(١) يردّ المؤلِّف على هذه الطائفة فيقول في كتابه العارضة: ٧/ ٣٠٤: "وهذه حبالة إلحاد لا يقع فيها إِلَّا معيب الفؤاد أو عديم الرَّشاد، بل الشّياطين وجميع الجان يأكلون ويشربون، وينكحون ويولد لهم ويموتون، وذلك جائز في العقل؟ ورد به الشّرع، وتظاهرت به الأحاديث، فلا يخرج عن هذا المضمار إِلَّا حمار، والذين يقولون: إنهم يشمون، ما شَمُّوا العلم". وانظر شرح الزرقاني: ٤/ ٢٨٨.
(٢) المراد هو أبو القاسم بن الجلّاب في التفريع: ٢/ ٣٤٩.
(٣) انظر العارضة: ١/ ٣٤، ٧/ ٣٠٤.
(٤) رواه ابن عبد البرّ في التهيد: ١١/ ١١٦ - ١١٧ بنحوه، كما أورده في الاستذكار: ٢٦/ ٢٥٥.
(٥) كذا في النسخ، وفي التمهيد: "والقطوب" ولعلّ الصواب: "العفاريت". انظر: الحيوان: ٦/ ١٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>