للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه: "أو لِيَصْمُتْ" يريد- والله أعلم -: أنّ هذا حُكْمُ من كان يؤمن بالله وعَلِمَ أنّه يُجَازَى في الآخرةِ، وممّا يَلْزَمُه: أنّ يقول خيرًا يُؤْجَرُ عليه، أو يَصْمُتَ عن شَرٍّ يُعَاقَبُ عليه. وأمّا الصّمتُ عن الخيرِ وذِكْرِ الله -عَزَّ وَجَلَّ- والأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنْكَرِ، فليس بمأمورِ به، بل هو منهىٌّ عنه نَهْيَ تحريم أو نَهْيَ كراهيةٍ، وإنّما معناه: أنّ يقول خيرًا أو يَسْكُتَ عن شَرٍّ، وأن تكون "أو" ههناَ بمَعْنَى الواوِ، فيكون المعنى: يقول خيرًا ويَصْمُتُ عن شرٍّ، وقد قيل ذلك في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (١).

وأمّا قوله (٢) -عَزَّ وَجَلَّ-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (٣).

وأمّا الّذي يُكْتَبُ على المؤمّن من كلامه، فمِنْ أحسن ما قيل في ذلك، ما رواه النَّضْرُ عن هشام بن حسَّان، عن عِكْرِمَةَ، عن ابن عبّاسٍ، قال: يُكْتَبُ على الإنسانِ كلّ ما يَتَكلَّمُ بِهِ من خيرٍ وشرٍّ، وما سِوَى ذلك فلا يُكْتَبُ (٤).

(٥) وأمّا قولُه: يا غُلَامُ، اسْقِنِي الماءَ، وأَسْرِجِ الفَرَسَ، فلا يُكْتَبُ


(١) الصافات: ١٤٧
(٢) كذا في النّسخ، وفي الأصل المنقول منه وهو الاستذكار: "وذكرنا هناك [أي في التمهيد] ما للعلّماء في معنى قول الله تعالى".
(٣) ق: ١٨.
(٤) أورده ابن عبد البرّ في التمهيد: ٢١/ ٣٨ أو نصّ على أنّ أبا بكر محمّد بن إبراهيم بن منذر ذكره بالسند المتصل.
(٥) الظّاهر أنّه سقط هاهنا كلام نرى من المستحسن إيراده كما هو في الأصل المنقول منه وهو كتاب الاستذكار: ٢٦/ ٣٠٢ - ٣٠٣ "وقال أبو حاتم الرّازي: حدثني الأنصاريّ، قال: حدَّثني هشام بن حسَّان، عن عكرمة، عن ابن عبّاس في قوله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} قال: لا يكتب إلّا الخير والشرّ، وأمّا قوله: ... ". قلنا: وقد أورده ابن عبد البرّ في التمهد: ٢١/ ٣٨، وعزاه إلى أبي بكر بن المنذر. وأخرجه الحاكم: ٢/ ٤٦٥ من طريق أبي حاتم الرّازي به.

<<  <  ج: ص:  >  >>