للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقه في مسائل:

المسألة الأولى (١):

ذكر النّبىُّ عليه السّلام العلّةَ الّتي عُوقِبُوا عليها بذلك، فقال: "نُهُوا عن أكلِ الشَّحْمِ، فباعوه؛ فأكلوا ثَمَنَهُ" والنّهىُ عن أكل الشّحْمِ لا يتناولُ النّهيَ عن أكل ثَمَنِهِ إلّا من جِهَةِ القياسِ والرّأيِ، وأنّ ما لا يجوزُ أكلهُ ممّا مُعظَمُ مَنفعَتِه الأكلُ؛ لا يجوزُ أكلُ ثَمَنِه، فلا يجوزُ أكلُ ثَمَنِ الخَمْر، ولا ثَمَنِ الخنزيرِ، ولا ثَمَنِ المَيْتَةِ وما جرى مجرى ذلك، وأمّا ما له منفعةٌ، فإنّه يجوزُ أكلُ ثَمَنِه وإن لم يَجُزْ أكلُه، كالعبيدِ والإماء، والله أعلمُ.

الثّانية (٢):

قال الإمامُ: ليس في الأُمَمِ طائفةٌ أعظمُ تعلُّقًا بالظّواهر من اليهود، ومنه هَلَكوا، فإنّهم رَأَوا في "التّوراة": "جاءَ اللهُ" و"نزلَ اللهُ" فأخذوا بالظّواهر في هذه الألفاظِ، فاعتقدوها جسمانيّة فهَلَكُوا، ونُهُوا عن الصّيدِ للحُوتِ، فكان يأتِيهم يومَ سَبْتِهِم، ويومَ لا يَسْبِتُونَ لا يأتيهم، فسَكَّرُوا الجَداوِلَ، فلمّا كان يوم السّبت، وأراد الحوتُ أنّ يخرُجَ لم يَجدْ مَنْفَذًا، فَجَرُّوهُ في يوم الأحدِ، فأخَذُوهُ، فمُسِخُوا قِرَدَةً وخنازيرَ.

ونُهُوا عن أكل الشّحوم، فقالوا: نَبِيعُها ونأكلُ ثَمنَها؛ لأنّ أكلَ الثّمنِ ليس بأكل الشّحمِ. وهذه الطّريقة أراد أنّ يَسْلكَ داوُدَ، فقال: ما قال الله لا تزيدوا عليه حرفًا ولا يُتَأوَّل، فَهَمَّ بالبُنْيَانِ وهو قدْ هَدَمَ الكُلَّ

ولأجل هذا كان مذهبُ مالكٍ أَشْرَفَ المذاهبِ؛ لأنّه قال بالاستنباطِ، وتتبّعه المَعَانِيَ،


(١) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٧/ ٢٤٦.
(٢) انظرها في القبس: ٣/ ١١١٧ - ١١١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>