للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسناد:

الأحاديثُ صحاح في هذا الباب.

المعاني والفوائد (١):

قال الإمام: كأنَّ مالكًا -رحمهُ الله- قد جعل الحديث الثّاني من هذا الباب تفسيرًا للأوّل. والمعنى: أنّ الجماعة -وأقلُّها ثلاثة- لا يَهُمُّ الشّيطان بهم، ويبعدُ عنهم، وإنّما سُمِّي الواحدُ شيطانًا والاثنان شيطانان؛ لأنّ الشّيطان في أصل اللُّغة هو البعيدُ عن الخير، فالمسافرُ وَحْدَهُ يبعدُ عن الخير، يقال: شطنت داره، إذا بَعُدَت. فكأنّه عَنَى المسافر بَعُدَ عن خير الرّفيق وعَوْنِهِ والأُنْسِ به، وتمريضه إنَّ مرض، ودفع وسوسة النّفس بحديثه (٢).

ولا يُؤْتَمن على المسافر وحده أنّ يضطرّ إلى المشي باللّيل، فتعترضُه الشّياطين المَرَدَةُ هازلين ومُفْزِعين. وكذلك الاثنان؛ لأنّه إذا مرّ أحَدُهما في حاجته، بقي الآخر وحده، فإن شردت له دابّة أو بقرة، أو عرض له في نفسه أو حَالِهِ شيءٌ، لم يجد من يُعينُه ولا مَنْ يكفيه ولا مَنْ يُخْبِر عنه بما يطرقه، فكأنّه سافر وَحْدّهُ.

وإذا كانوا ثلاثةً، ارتفعت العلّة المخوفة في الأَغْلب؛ لأنّه يخرج الواحدُ ويبقى الاثنان.

وإن كانوا ثلاثة لم يهمّ بهم الشّيطان، وأيضّا كانوا قد أقَاموا الصّلاة في جماعة، وفي حديث ابن عمر: "لو يعلمُ النَّاسُ ما في الوحْدَةِ ما سافرَ رَاكبٌ بليلٍ أَبَدًا" (٣).

وهذا كلّه في السَّفر الّذي يَجُوزُ فيه قصر الصّلاة، وأمّا ما كان دون ذلك، فلا بأس بالسّفر فيه للواحد لأنّه أمر قَريبٌ.

واختلفَ النّاسُ في معنى ذلك، فقيل: إنَّ الشّيطان يضجر به. وليس ذلك على الحَتْمِ، إنّما ذلك على طريق الأدب والتّعلّم، وقد كان رسولُ الله يبعث البريد وحده والرّسول إلى البلدان بالدّعاء إلى الإيمان، والخلفاءُ بعدَهُ كان يُبْعَث إليهم بالفتوح؛ لأنّ


(١) النِّصف الأوّل من هذه الفوائد مقتبس من الاستذكار: ٢٧/ ٢٦٦ - ٢٦٨.
(٢) انظر الاقتضاب في شرح غريب الموطّأ: ١١٢/ ب.
(٣) أخرجه البخاريّ (٢٩٩٨)، وانظر التمهيد: ٢٠/ ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>