للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعاني والفوائد (١):

قال علماؤنا: المعنى في هذا الحديث (٢)، أنّه ورد نهيًا عمّا كان أهل الجاهليّة يقولونَهُ من ذَمِّ الدَّهر وسبَّهِ، لما ينزل بهم فيه من المصائب في الأموال والأنفسُ، وكانوا يضيفون ذلك إلى الدّهر، ويسبُّونَهُ ويذمّونه لذلك، على أنّه الفاعل ذلك بهم، وإذا وقع سَبُّهُم على من فعل ذلك بهم، وقع على الله تعالى. فجاء النّهيُ عن ذلك تنزيهًا لله تعالى وإجلالاً له، لِمَا في ذلك من مضارعة (٣) سبِّه وذمِّه. وقد ذمَّ اللَّهُ الّذين كانوا يعتقدون هذا بقولهم: {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} (٤) وإنّما الأمر كلُّه، والدّهر بيد الله، فإذا سبَّ الرّجلُ صنعة غيره وذمّها، فإنّما يذمّ فاعلها، قال امرؤ القيس (٥):

أَلاَ إنَّمَا ذَا الدَّهْرُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ... وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ قَوِيمْ بِمُسْتَمِرّ

الحديث الرّابع:

إِنّ عيسى بنَ مريمَ لَقِيَ خِنْزِيرًا على الطّريقِ، فقال له: انْفُذْ بِسَلاَمٍ. فقيل له: تقُولُ هذا للخِنْزِيرِ؟ فقال: أخافُ أن أُعَوَّدَ لِسَانِي المَنْطِقَ السُّوء (٦).


(١) هذه المعاني والفوائد مقتبسة من الاستذكار: ٢٧/ ٣٠٥.
(٢) يقول ابن حبيب في تفسيره لغريب الموطأ: الورقة ١٦٥ - ١٦٦ [٢/ ١٧١] "وهو مما لا ينبغي لأحدٍ من أهل الإسلام أن يجْهَلَ شرْحه ووَجْهَه؛ وذلك أن الزنادقةَ وأهل التعطيل والملحدين في الدين يحتجّون به على المسلمين وأهل الإيمان بالله. وإنّما وجهُه وشرحه عند أهل العلم والسُّنَّة: أنّ العرب شأنها أن تذمَّ الدّهر وتسبّه عند المصائب التي تنزل بهم، من موت أو هرم، أو تلف مال، أو غير ذلك، فيقولون: أصابت بني فلان قوارع الدّهر، وأبادهم الدّهر، وأتى عليهم الدّهر، فيجعلون الدّهر الذي يفعل ذلك، فيذمّونه ويسبّونه على ذلك ... يقول: إن الذي يفعل بكم هذه الأشياء ويصيبكم بهذه المصائب هو الله وليس الدّهر، فإذا سببتم فاعلها تظنّونه الدّهر، فإنما يقع السّبّ والذّم على الله؛ لأنّه هو الفاعل ذلك لا الدّهر، هذا وجه الحديث وتأويله وشرحه وتفسيره، كذلك سمعتُ ابن الماجشون يفسِّره. وكلّ من لقيت من أهل العلم والسّنّة والمعرفة بتأويل الحديث، وهو الّذي كان مذهب مالك في تفسيره". قارن بغريب الحديث لأبي عبيد: ٢/ ١٤٦ - ١٤٨.
(٣) أي مشابهة.
(٤) الجاثية: ٢٤.
(٥) في ديوانه: ٣٧.
(٦) أخرجه مالك في الموطّأ (٢٨١٧) رواية يحيى.

<<  <  ج: ص:  >  >>