للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال جماعة منهم أبو حنيفةَ (١): لا تحلُّ ميتةُ البحر، وتعلَّقَ بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} (٢) وهذا عُمومٌ ظاهرٌ.

إيضاحُ مُشكِلٍ:

وما قلناه أوضحُ لثلاثةِ أوجُهٍ:

أحدُها: هذا الحديثُ الّذي تلوناه آنفًا.

الثّاني: حديثُ أبي عُبَيدَةَ، حين ألقَى لهم البحرُ حوتًا يقال له العنبرُ، فأكلوه (٣).

فإن قيل: كانت تلك حالَ ضرورةٍ.

قلنا: قد أكل القومُ منه وشَبِعُوا وادَّهنوا وتزوَّدوا، ولو كانت حال ضرورةٍ ما جازَ شيءٌ منه. وقد وافقنا أبو حنيفة (٤) على ما صاده المجوسيّ من السّمك، فلو كان الصّيد تذكيةً كما زعموا، ما جاز من المجوسيّ؛ لأنّه ليس من أهل الذّكاةِ.

تفسير فقهيّ شرعيّ:

فإذا ثبت أنّ الماء طهورٌ لا يَنْجَسُ إلَّا بما غيَّرَ صفاته، لكنّه يستحبّ صيانة قليله عن النّجاسات؛ لأنّه أكملُ في الطّهارة وأقوى للنّظافة وأَطيَبُ على النّفس.

فأمّا المياهُ الكثيرةُ، كالآبارِ العظام والأنّهار الكبار، فإنّه يجوزُ رَمْيُ النّجاسات والأقذارِ فيها قصدًا، وعلى ذلك هي الأمَّة كلها في البلاد الّتي تكون على الأنّهار، وتد سُئِلَ عن بئر بضاعة وما يطرح فيها من الأقذار والجيفِ، فقال: "خلقَ اللهُ الماءَ طَهُورًا لا ينجِّسُهُ شيءٌ" (٥).


(١) انظر المبسوط: ١١/ ٢٤٧.
(٢) المائدة: ٣.
(٣) أخرجه البخاريّ (٢٤٨٣)، ومسلم (١٩٣٥).
(٤) انظر المبسوط: ١١/ ٢٤٥.
(٥) أخرجه أحمد: ٣/ ٣١، وأبو داود (٦٦، ٦٧)، والترمذي (٦٦) وقال: "هذا حديث حسن"،=

<<  <  ج: ص:  >  >>