للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمام الحافظ: وهذا الحديث خرجَ مخرجَ العموم يراد به الخصوص، وخصوصُه ما بينه وبين النّاس ممّا قد نُهِيَ عنه ففعله، وأمّا ما أُمِرَ به أنّ يفعله فلم يفعله مثل الصّلاة والصّيام والزّكاة، فلا بدّ من فعل ذلك، ولا كفّارةَ له إلَّا الوفاء به. وأمّا ما بينه وبين العباد من الدُّيون وغير ذلك، فقد أجمعتِ الأُمَّةُ أنّه لا ينفكّ من الدَّيْنِ إذا كان له مالكٌ حتّى يؤدِّيه. والحديث الّذي رُوِيَ "يغفر له كلَّ شيءِ إلَّا الدَّين" (١) فمن العلماء من قال: هذا تغليظٌ وتهديدٌ لكي يتحفَّظ النَّاسُ ممّن عليه دَيْن حوطةً على أرباب الأموالِ وصَوْنًا لعَرَضِ من عليه الدَّيْنُ.

وقيل: يحتمل أنّ يكون فيمن هو قادرٌ على أدائه ولا يؤدِّيه.

وقيل: إنّ ذلك منسوخٌ بقوله: "من تركَ مالًا فلِوَرَثَتِهِ، ومن تركَ كَلأ فإلَينَا" (٢) يريد من أراد القضاء ولا يجد ما يقضي، وسنذكر هذا بكماله في موضعه إنّ شاء الله تعالى.

الفائدة الرّابعة:

قوله: "غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ".

قال الإمام: قد سبق بيان وجه المغفرة، وإنّما العبادات إنّما تكفِّر الصّغائر دون الْمُوبِقَات، وإن الصَّغيرة من السَّيِّئات لا بقاء لها مع الحسنات قطعًا. فأمّا كبيرةٌ سيِّئَةٌ بكبيرةٍ حسَنَة، فإنّما يقع التّكفير والمغفرة بعد الموازنة لها، فما رجح كان الْحُكم له، ولأجل هذا قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (٣) لأنّه إذا تصدَّقَ ثمّ منَّ على المتصدَّق عليه وآذاه، فربّما رجح المنّ والأذى بثواب الصَّدَقَة فلم تكن لها فائدة، وذلك مَبْنِيٌّ على ما قدَّمناهُ.


(١) رواه بنحوه مسلم (١٨٨٦).
(٢) أخرجه البخاريّ (٢٣٩٨)، ومسلم (١٦١٩) من حديث أبي هريرة.
(٣) البقرة: ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>