للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غايةٌ وإيضاحٌ (١):

قال الإمام الحافظ: قال مالكٌ بالبناء في الرُّعاف، وهي مسألة مُعضِلَةٌ ليس في المذهب أشكلُ منها، وَرَدَّها عامَّةُ الفقهاء، إلَّا أبا حنيفة (٢) فإنّه قال: يَبنِي فيها وفي الحَدَثِ كلِّه، ووقَعَ مثلُ مذهبِ أبي حنيفة لأشهبَ.

فأمَّا البناءُ في الحَدَثِ فإنّما يُبنَى على أصلٍ، وهو القولُ بتبعيض الصّلاة في الصِّحَّةِ، وقد قال الشّافعيّ (٣): إذا رأى المصلِّي حريقًا أطفأَه، أو غريقًا استنقذَهُ، وبَنَى على صلاته، وخالَفَه مالكٌ وأبو حنيفة (٤)، والأصولُ كما تَرَى متعارضةٌ.

قال الإمامُ الحافظُ: والصّحيحُ أنّ الصّلاة تَبطُلُ بِطَرَيَان الحَدَثِ وبالاشتغال مع الحريق والغريق وما أشبَهَهُ. وليس للعلماء فيه متعلّقٌ قويٌّ في البناء في الرّعَافِ إلّا حديث ابن عمر (٥) وابن عبّاس (٦)، ومن التّابعين أيضًا سعيد بن المسيَّب (٧)، وسالم بن عبد الله (٨)، فإنهم كانوا يرعُفُونَ في الصّلاة حتّى تختضِبَ أصابعهم -أي الأنامل الأُولَى منها- من الدَّم الّذي يخرج.

نكتةٌ أصوليةٌ:

وهي تنبني على أصل من أصول الفقه، وهو أنّ الصّاحب إذا أَفتَى بخلاف القياس، هل يكونُ أصلًا يُرجَعُ إليه أم لا؟ والصّحيحُ أنّه لا يرجع إليه، ولضَعفِ المسألةِ استَحَبَّ مالكٌ للرَّاعِفِ إنّ تكلَّمَ ألَّا يبني (٩). وقد أكثرتِ المالكية التّفريع فيها، وليست عندي من المسائل الّتي يُعَوَّلُ عليها، فإنه ليس فيها نصٌّ ولا لها نظيرٌ، ولكنِّي أربطُ لك هذا


(١) انظرهما في القبس: ١/ ١٦٢.
(٢) انظر كتاب الأصل: ١/ ١٦٨، والمبسوط: ١/ ١٦٩.
(٣) انظر الحاوي الكبير: ٢/ ١٨٢.
(٤) انظر المبسوط: ١/ ١٦٩.
(٥) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٨٨) رواية يحيى.
(٦) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٨٩) رواية يحيى.
(٧) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٩٠، ٩١) رواية يحيى.
(٨) أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٩٢) رواية يحيى.
(٩) انظر المنتقى: ١/ ٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>