للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثّالثة:

إذا نَوَى الجُنُبُ بغُسلِه قراءة القرآن طاهرًا، أو مسّ المصحف؟ قال عبد الوهّاب: لا أحفظُ فيه نصًا، وذلك يجزئه؛ لأنّ هذه النّية تتضمَّن رفع الحَدَثِ الأكبر؛ لأنّ المُحدِثَ ليس له أنّ يمسّ بشيءٍ من أعضائه لأجل الحَدَثِ. وإنّما تختلف مُوجِبات الإحداث، وإلّا فالإحداثُ في الأصل واحدٌ، وإن حكمها لاحقٌ بكلِّ البَدَنِ. وإذا صحّ هذا، فمِن أجله منعناه إذا كان مُحدِثًا أنّ يمسَّ المصحف حتّى يتوضّأ، لوجود حُكْمِ الحَدَثِ، وهذا المعنى هو موجودٌ في الجُنُب، فيحب أنّ يجزئه إذا نَوَى بغُسْله مسّ المصحف. قال: ويجوز أنّ يقال لا يجزئه؛ لأنّه نَوَى ما ليس الغُسل من شروطه، واستباحته بالأوَّلِ أَوْلَى.

المسألة الرّابعة:

هي إذا تساوتِ الطّهارتان في الوُجوب، واختلفت مُوجباتها، كالحائض تجنب، والجُنُب تحيض، فليس على الحائض أنّ تغتسل لجنابتها، سواء تقدَّمتِ الجنابةُ أو تأخرت؛ لأنّ الحيضَ يمنعُ الوطءَ وجميع العبادات الّتي تمنعها الجنابة، ولا تمنعُ الجنابةُ الوطءَ الّذي يمنع الحيضَ. فإنِ انقطعت حيضتها، فاغتسلت ولم تنو الجنابة، أجزأها.

وقال داود: لا تجزئها؛ لأنّ الله تعالى قال: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (١).

ودليلنا: أنّهما حَدَثَان ترادَفَا موجِبهما واحدٌ، فناب عنهما طهرٌ واحدٌ، كما لو كانا من جنس واحدٍ كالجَنَابَتَيْن، ولأنّها أتت في نيّتها على ما يلزم الحائض والجُنُب، فلذلك لم يلزم ذكر الجَنَابَة مع الحَيض.

المسألة الخامسة:

هي إذا تطهّرت الحائضُ للجَنَابَةِ ولم تنو الحيضة ناسية لها؟ ففيها قولان:

١ - قال سحنون في "كتاب ابنه": لا يصحُّ (٢).

٢ - وقال ابن عبد الحكم وأبو الفَرَجِ وغيرهما: يصحّ. واحتجُّوا بأنّه فرضٌ نابَ

عن فَرْضٍ، يعنون: أنّ الحَدَثَ موجبهما واحدٌ في صفة النّية والغُسْل. (٣)


(١) المائدة: ٦.
(٢) أورد هذه الرِّواية ابن أبي زيد في النّوادر: ١/ ٤٧.
(٣) انظر المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>