للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحقيق:

اختلف العلماء -رضوانُ الله عليهم- في ايتداءِ الحيضِ؟ فذهبت جماعة منهم إلى أنّ ذلك عقوبة لِنِساءِ بني إسرائيل، واحتجُّوا بحديث خَرَّجَهُ عبد الرزاق في "مصنّفه" (١) أنّ نساء بني إسرائيل كنّ قد اتَّخذن أَرْجُلًا من خَشَب يطلن بها ليُشرِفن على الرِّجال الّذي المساجد، فسلّطت عليهنّ الحَيْضَة، وحرّم عليهنّ المساجد. وهذا ضعيفٌ جدًّا، والصحيحُ ما خَرَّجَهُ البخاريّ (٢) عن عائشة قالت: خرجنا لا نَرَى إلَّا الحَجَّ، فلمّا كنْتُ بسَرِفَ حِضتُ، فدخلَ علىَّ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - وأنا أَبْكِي، فقال: "ما لَك، أَنُفِسْتِ؟ "، قلتُ: نعم، قال: "إنَّ هذا شيء كتَبَهُ اللهُ علي بناتِ آدَمَ ... " الحديث.

قال الإمام (٣): هذا الحديث يدلُّ على أنّ الحَيْضَ مكتوبٌ علي بناتِ آدمَ فمَنْ بعدَهُنَّ من البنات، كما قاله -عليه السّلام-، وهو من أضلِ خِلْقَتِهِنَّ الّذي فيه صلاحهنّ، قال الله تعالى في زكريا -عليه السّلام-: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (٤) قال أهل التّأويل: يعني ردّ الله إليها حيضتها لتحمل، وهو من حكمة البارئ سبحانه اتذي جعلَهُ سببًا للنَّسْل، ألَّا ترى أنّ المرأة إذا انقطعت عنها حيضتها أنّها لا تحمل، هذه عادة لا تنخرم.

وقال بعض علمائنا: ليس فيما أتى به في قصّة زكرياء -عليه السّلام- دليلٌ قاطعٌ؛ لأنّ زكرياء من أولاد بني إسرائيل. وأمّا الحُجَّة القاطعة لمن تأوَّل قصّة إبراهيم في قوله: {فَضَحِكَتْ} (٥) يعني: حاضت، تشهد له اللُّغة، والأثر يدلُّ أنّ الحَيضَ كان قبلَ بني إسرائيل من حديث عائشة.


(١) الحديث (٥١١٤) عن عائشة. وانظر الدر المنثور: ٢/ ٥٧٣ (ط. هجر).
(٢) في صحيحه (٢٩٤).
(٣) من هنا إلى آخر الفقرة الثّانيهْ مقتبس بتصرّف من شرح البخاريّ لابن بطّال: ١/ ٤١١.
(٤) الأنبياء: ٩٥.
(٥) هود:٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>