للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صرّح النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - بذلك في الحديث المتقدِّم إذ قال: "إِنَّ مَثَلَكمْ ومَثَلَ أهْلِ الكتابِ مِنْ قَبْلِكُم، كَمَثَلِ رَجُلٍ استَأَجَرَ أُجَرَاء" الحديث إلى آخره (١)، فصرّح أنّها أجرة.

وقال بعض علمائنا: يكون معنى قوله: "احتسابًا" أنّه يعتدّ بالأجر عند الله يَدَّخِرُهُ إلى الآخرة، لا يرجو أنّ يتعجَّلَ شيئًا منها في الدُّنيا؛ لأنّ ما يفتح اللهُ على العبد في الدُّنيا من المال ويناله من لَذَّةِ، فمَحْسُوبٌ من أَجرِهِ، ويحاسَبُ يوم القيامة به، فعلى العبدِ أن ينفي ذلك من قَلْبِه، وأن ينوي بِعَمَلِىِ الدّار الآخرة خاصّةً، فإن يَسَّرَ اللهُ له في هذه الدّار مالًا، فذلك فضلٌ منه يُؤتِيهِ من يشاء.

ولمّا استنكر عمر بن الخطّاب على رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أنّ ينامَ على سريرٍ منسوجٍ بالحِبَالِ، ليس بينه وبين جَنبِهِ حجابٌ، حتّى أَثَرَ في جَنْبِهِ، فقال له: "أَوَفِي شَكٍّ أنت يا ابنَ الخَطَّابِ؟ أولئك قومٌ عُجِّلَت لهم طَيِّباتُهُم في الحياةِ الدُّنْيَا" (٢).

ورُوِيَ أنّ عمر بن الخطّاب جاء يزورُ جابر بن (٣) عبد الله فوَجَدَهُ قد اشترى لحمًا بدرهم فقال: أمّا تخاف قول الله تعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} الآية (٤).

وأمّا قوله: "غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ" فعلى نحو ما سَبَقَ بيانُه من تبديل (٥) الصَّغائرِ مع الكبائر في باب الموازنة والإسقاط المَحْضِ.

ومن مُعْظَمِ فضائله، قوله -عليه السّلام-: "إذا دخلَ رمضانُ فُتَّحَت أبوابُ الجَّنَةِ، وغُلِّقَت أبوابُ النَّارِ، وصُفِّدَتْ الشَّيَاطينُ، ونَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الخَيْرِ هَلُمَّ، ويا بَاغِيَ الشَرِّ أَقْصِرْ" (٦). على ما يأتي بيانه في "كتاب الصّيام" إنّ شاء الله.


(١) أخرجه البخاريّ (٢٢٦٨) من حديث ابن عمر.
(٢) أخرجه البخاريّ (٢٤٦٨)، ومسلم (١٤٧٩) عن عبد الله بن عبّاس.
(٣) "جابر بن" زيادة من القبس.
(٤) الأحقاف: ٢٠، والحديث أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٢٧٠٣) رواية يحيى. كما أخرجه أيضًا الحاكم: ٢/ ٤٥٥
(٥) في القبس: ٥/ ٣٢ (ط. هجر): "تنزيل".
(٦) هذا الحديث مُرَكَّبٌ من حديثين، فالقسم الأوّل إلى قوله:"الشّياطين" أخرجه مالكٌ في الموطَّأ (٨٦٢) رواية يحيى، ومسلم (١٠٧٦)، والقسم الثّاني أخرجه الترمذي (٦٨٢) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>